
في ظل تصاعد الانتهاكات وتدهور الوضع الإنساني في مدينة الفاشر، أثارت مشاهد مصورة تم تداولها على نطاق واسع، تظهر استهداف مدنيين أثناء خروجهم من المدينة، موجة غضب محلية ودولية، وسط دعوات متزايدة لتفعيل آليات حماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن التجاوزات، في وقت تتسارع فيه التحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة.
مشاهد صادمة
أثارت مقاطع الفيديو التي تم تداولها مؤخراً، وتُظهر استهداف عدد كبير من المدنيين أثناء خروجهم من مدينة الفاشر على يد عناصر من قوات الدعم السريع، ردود فعل غاضبة في الأوساط المحلية والدولية، وسط مطالبات متزايدة بالوفاء بالالتزامات الدولية لحماية السكان. وتزامن ذلك مع إعلان القوة المشتركة للحركات المسلحة عن سقوط نحو ألفي شخص خلال اليومين الماضيين، إلى جانب تقارير عن فقدان عدد من المتطوعين. في المقابل، أكدت لجان المقاومة أن قوات الدعم السريع تمكنت من تفكيك المقاومة الشعبية داخل المدينة، مشيرة إلى توقف أصوات الاشتباكات، وموجهة انتقادات حادة للجيش السوداني على خلفية انسحابه من الفاشر، معتبرة أن ذلك تم بموجب تفاهمات غير معلنة سمحت بخروج القيادات العسكرية.
تحركات ميدانية
ترددت أنباء وصور لم يتمكن راديو دبنقا من التحقق من صحتها، تفيد بوصول قائد الفرقة السادسة مشاة، إلى جانب قيادي في حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، إلى بلدة كرنوي على متن 15 عربة. وفي سياق متصل، نفت لجان المقاومة الأنباء التي تحدثت عن فقدان المراسلة الحربية للفرقة السادسة مشاة آسيا قبلة، مؤكدة أنها لا تزال على قيد الحياة. هذه التحركات الميدانية تعكس تغيراً في خارطة السيطرة العسكرية، وتثير تساؤلات حول مستقبل القيادة الميدانية في ظل الانسحاب من المدينة وتوسع نفوذ قوات الدعم السريع.
كارثة إنسانية
وصف الدكتور عبدالسلام سيد أحمد، رئيس المرصد السوداني لحقوق الإنسان، الوضع في مدينة الفاشر بأنه يمثل كارثة إنسانية مكتملة الأركان، مشيراً إلى أن هذه النتيجة كانت متوقعة منذ فترة طويلة بسبب تجاهل الأطراف المتحاربة لقرارات المجتمع الدولي. وأوضح أن المدينة تعيش تحت حصار مستمر منذ 18 شهراً، وأن سكانها يعانون من ظروف مأساوية، خاصة في معسكري أبو شوك وزمزم اللذين يضمان نحو نصف مليون نازح. وأشار إلى أن ما يجري حالياً يتضمن انتهاكات جسيمة، من بينها استهداف المدنيين أثناء محاولتهم مغادرة المدينة، مؤكداً أن بعض المشاهد المصورة تُظهر أفعالاً ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، تتم بطريقة تنمّ عن رغبة في الانتقام.
انهيار الخدمات
لفت رئيس المرصد إلى أن استهداف المرافق الصحية وتجويع المدينة يُعد جريمة مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي، موضحاً أن السكان اضطروا إلى البحث عن علف الحيوانات كمصدر بديل للغذاء، الذي لم يعد متوفراً. وأكد أن ما يحدث في الفاشر هو “موت معلن”، مشدداً على أن المجتمع الدولي ظل يتفرج على الكارثة وهي تتشكل، دون اتخاذ خطوات عملية لوقفها. ودعا مجلس الأمن والمجموعة الرباعية إلى تحرك فوري وصارم لمنع المزيد من الانتهاكات، محذراً من احتمال تكرار مشاهد الإبادة الجماعية التي شهدها إقليم دارفور في سنوات سابقة، خاصة أن آلاف السكان باتوا تحت خطر مباشر.
غياب المحاسبة
أشار الدكتور عبدالسلام إلى أن استمرار غياب المساءلة والعقاب يشجع على تكرار الانتهاكات، مؤكداً أن عدم محاسبة أي من القادة الميدانيين أو المسؤولين عن هذه التجاوزات يفتح الباب أمام استمرارها. وأضاف أن سيطرة قوات الدعم السريع على أي منطقة غالباً ما تُتبع بانتهاكات ممنهجة للقانونين الإنساني والدولي، ما يستدعي تحركاً عاجلاً من الجهات الدولية المعنية. وشدد على أن الوضع في الفاشر لم يعد يحتمل الانتظار، وأن أي تأخير في التدخل سيؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية.
مسؤولية مشتركة
من جانبه، قال المحامي الصادق علي حسن، رئيس المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات، إن ما يحدث في الفاشر لا يمكن اعتباره انتصاراً عسكرياً لقوات الدعم السريع، موضحاً أن السيطرة على المباني الحكومية لا تعني الحسم في ظل استمرار المقاومة الشعبية داخل المدينة. وأكد أن الجيش السوداني تخلى عن مسؤوليته تجاه المدنيين عندما انسحب دون اتخاذ تدابير لحمايتهم أو تأمين خروجهم الآمن، محمّلاً القيادة العسكرية تبعات إنسانية جسيمة. وأشار إلى أن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع تندرج تحت كافة أصناف الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي، وتتم بصورة ممنهجة.
دعوة للتحرك
أوضح الصادق علي حسن أن المسؤولية لا تقع على الدعم السريع وحده، بل تمتد إلى قيادة الجيش التي تخلت عن واجباتها، داعياً إلى مساءلة مشتركة للطرفين أمام المجتمع الدولي. وأضاف أن الحديث عن إدانات ومناشدات لم يعد كافياً، وأن التدخل الدولي العاجل هو السبيل الوحيد لحماية المدنيين ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. وأشار إلى أن المجتمع الدولي يتكوّن من دول ذات مصالح متباينة داخل مجلس الأمن، ما يجعل التحرك الجماعي بطيئاً وغير فعّال، مؤكداً أن الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي يفتقران إلى أدوات التنفيذ الفعلي.
تدخل مباشر
دعا رئيس المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات إلى تحرك فوري تقوده الولايات المتحدة، باعتبارها صاحبة “الآلية الأسرع” في اتخاذ التدابير العاجلة، مشدداً على أن المطلوب الآن هو تدخل مباشر لحماية المدنيين ومساءلة الجناة. وختم حديثه بدعوة القوى المدنية والتحالفات السياسية إلى إطلاق حملة مناشدات مباشرة للولايات المتحدة، من أجل وقف الانتهاكات الجارية في الفاشر، دون المساس بضرورة المحاسبة الجنائية العاجلة للمتورطين فيها.
Source link
 
				


