
في ظل تسارع الانهيارات السياسية والعسكرية التي تعصف بالسودان، حذر الكاتب والصحفي السوداني عثمان ميرغني من أن البلاد تجاوزت مرحلة الحساب بالأيام، لتدخل مرحلة تُقاس فيها التحولات بالساعات، مشيرًا إلى أن سقوط مدينة الفاشر يمثل نقطة تحول خطيرة تنقل السودان من النموذج الليبي إلى سيناريو أكثر تعقيدًا على غرار تفكك يوغوسلافيا.
تحولات متسارعة
في مقاله الأخير، أشار عثمان ميرغني إلى أن الزمن في السودان لم يعد يُقاس بالشهور أو الأيام، بل بالساعات، حيث كل ساعة تمضي تترك أثرًا عميقًا في جدار الوطن. ولفت إلى أن السودان كان يعيش خلال الفترة الماضية سيناريو شبيهًا بالحالة الليبية، خاصة بعد إعلان حكومة موازية في مدينة نيالا، التي غابت عنها الحكومة الشرعية منذ سقوطها في نوفمبر 2023. غير أن سقوط مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مثّل نقطة انعطاف جديدة، تنقل البلاد إلى مرحلة أكثر خطورة، تُشبه ما عاشته يوغوسلافيا قبيل تفككها.
مقارنة ليبية
استعرض ميرغني أوجه الشبه والاختلاف بين النموذج الليبي وما يحدث في السودان، موضحًا أن ليبيا، رغم انقسامها بين سلطتين في بنغازي وطرابلس، حافظت على وحدة مؤسساتها الحيوية، مثل البنك المركزي، الذي واصل دفع الرواتب لكافة موظفي الخدمة المدنية في شطري البلاد. كما بقيت العديد من مؤسسات الدولة تعمل بشكل موحد، ما حافظ على الحد الأدنى من التماسك الإداري. أما في السودان، فإن المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، لا سيما في ولايات دارفور، باتت فعليًا خارج نطاق الدولة، رغم استمرار العاملين في الخدمة المدنية في تلقي استحقاقاتهم من الحكومة الشرعية.
سيناريو يوغوسلافيا
يرى ميرغني أن سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر أضافت بُعدًا جديدًا للأزمة، ودشنت مرحلة جديدة تُقارب النموذج اليوغسلافي، الذي شهد بعد وفاة الزعيم جوزيف بروز تيتو تصاعدًا في التوترات الداخلية، انتهت بحروب دموية بين الأقاليم، وارتكاب فظائع على أساس عرقي، قبل أن تتفكك الدولة إلى سبع جمهوريات مستقلة ومعترف بها دوليًا. ورغم أن أحدًا في السودان لم يرفع حتى الآن شعار الانفصال، إلا أن ميرغني حذر من أن “شيطان التقسيم” قد وُلد بالفعل، وينمو في ظل الأزمة الراهنة والحرب المستعرة، التي تهدد بتفكيك البلاد من الداخل.
فرصة ضيقة
ورغم قتامة المشهد، يرى ميرغني أن هناك فرصة حقيقية لتفادي هذا المصير، لكنها مشروطة بإطفاء نار الحرب قبل نهاية العام 2025. وأكد أن استمرار النزاع سيجعل من المستحيل الحفاظ على وحدة السودان، ما يعني أن الأجيال القادمة قد تجد نفسها مضطرة للعيش خلف حدود سياسية لم تخترها، بل فُرضت عليها نتيجة قرارات خاطئة اتخذها من سبقوهم. وشدد على أن اللحظة الراهنة تتطلب شجاعة سياسية وقرارات جريئة، لأن أي تأخير في وقف الحرب سيُقوّض فرص السلام، ويُعمّق الانقسام الوطني.
دعم الرباعية
اختتم ميرغني مقاله بالتأكيد على أن مبادرة الآلية الرباعية، التي تضم الولايات المتحدة، مصر، السعودية، والإمارات، هي الخيار الوحيد المطروح حاليًا على الطاولة، سواء داخليًا أو خارجيًا. وانتقد الأصوات التي ترفض المبادرة دون تقديم بدائل واقعية، معتبرًا أن رفضها من حيث المبدأ يُعد خطأ استراتيجيًا فادحًا. ودعا الحكومة السودانية إلى الانخراط الإيجابي في هذه المبادرة، واستثمار ثقل الدول الأربع الراعية لها، لما تملكه من نفوذ إقليمي ودولي، يمكن أن يُسهم في إخراج السودان من نفق الحرب، والمضي قدمًا نحو مرحلة إعادة بناء الدولة على أسس جديدة ومستقرة.
Source link



