
اندلعت صباح الأربعاء احتجاجات شعبية واسعة في مدينة تلودي بولاية جنوب كردفان، على خلفية تفشي حالات يُشتبه بأنها ناتجة عن تسمم كيميائي مرتبط بأنشطة تعدين تستخدم مواد خطرة على الصحة والبيئة. ووفقًا لمصادر محلية، فقد أسفرت هذه الحالات عن وفاة 35 شخصًا وإصابة 245 آخرين خلال الأيام القليلة الماضية، ما فجّر موجة غضب عارمة في أوساط السكان، الذين خرجوا في مسيرات سلمية للتعبير عن رفضهم لاستمرار هذه الأنشطة التي تهدد حياتهم.
أعراض خطيرة
وبحسب ما أفاد به ناشطون بيئيون لراديو دبنقا، فإن الأعراض التي ظهرت على المصابين شملت حالات قيء مصحوب بزبد، وارتفاعًا حادًا في درجات الحرارة، إلى جانب إسهال حاد، وهي مؤشرات دفعت السكان إلى الاعتقاد بوجود تسمم جماعي. وأشار الناشطون إلى أن السلطات الرسمية لم تصدر حتى الآن نتائج واضحة للتشخيص الطبي، في حين نفت مصادر صحية محلية أن تكون هذه الحالات مرتبطة بوباء الكوليرا. وتزامن تصاعد الإصابات والوفيات مع تنظيم احتجاجات حاشدة داخل المدينة، عبّر خلالها المواطنون عن قلقهم المتزايد من تفاقم الوضع الصحي، مطالبين بتحرك فوري من السلطات.
توتر ميداني
أكد ناشطون أن المظاهرات التي شهدتها تلودي جرت في أجواء مشحونة بالتوتر، وسط مخاوف من اندلاع مواجهات بين المحتجين والقوات الأمنية، في حال لم تستجب السلطات المحلية والعسكرية لمطالب السكان خلال الساعات المقبلة. ويطالب المحتجون بوقف فوري لأنشطة التعدين التي تُستخدم فيها مواد كيميائية خطرة، وتقديم المسؤولين عن الكارثة الصحية إلى العدالة، إلى جانب توفير الدعم الطبي العاجل للمتضررين.
مواد سامة
أوضح المتظاهرون أن عمليات التعدين الجارية في محيط تلودي ومنطقة التقولة تعتمد على مواد كيميائية شديدة السمية، من بينها السيانيد والزئبق، والتي تُستخدم دون رقابة أو تصاريح رسمية. ويُعتقد أن هذه المواد هي السبب المباشر في حالات التسمم الجماعي التي اجتاحت المنطقة، خاصة بعد أن تسببت في تلوث المياه والتربة في المناطق السكنية المجاورة لمواقع التعدين. وأشار عدد من الناشطين إلى أن السلطات العسكرية قامت مؤخرًا بنقل عشرات الخلاطات المستخدمة في استخلاص الذهب إلى داخل الحامية العسكرية في تلودي، في خطوة أثارت شكوكًا واسعة بين السكان الذين اعتبروها محاولة لإخفاء الأدلة.
كارثة صحية
وصف ناشطون بيئيون الوضع الصحي في تلودي ومنجم التقولة بأنه كارثي، مؤكدين أن عدد الوفيات ارتفع إلى 36 حالة، بينما بلغ عدد الإصابات المؤكدة 245 حالة حتى يوم الأربعاء. وأوضحوا أن الإصابات التي كانت تقتصر في البداية على الوافدين من منطقة التقولة، بدأت تظهر الآن بين سكان مدينة تلودي نفسها، ما يشير إلى انتشار محلي واسع للتلوث الكيميائي، ويزيد من احتمالات إصابة أعداد أكبر من المواطنين خلال الأيام المقبلة. وحذر الناشطون من انهيار وشيك للنظام الصحي في المدينة، في ظل ضعف الإمكانات الطبية وغياب فرق الاستجابة السريعة، داعين إلى تدخل عاجل من الجهات الصحية والمنظمات الإنسانية.
استجابة محدودة
فيما يتعلق بتحركات السلطات، أفادت مصادر محلية بأن وفدًا من الشركة السودانية للموارد المعدنية أجرى زيارة ميدانية يوم الثلاثاء إلى منجم التقولة لتقييم الأوضاع الصحية ومواقع التعدين المتأثرة. غير أن اللجنة الأمنية المحلية رفضت مقترحًا بالنزول الميداني المباشر إلى المناطق المنكوبة، دون تقديم مبررات واضحة، واكتفت بتفويض الشركة لإجراء المسح الفني وتقديم تقرير لاحق. وفي تطور مثير للجدل، أصدرت اللجنة الأمنية توجيهات تمنع تداول أي معلومات أو أخبار حول الحادثة، مهددة بمساءلة كل من يشارك تفاصيل الأزمة عبر وسائل الإعلام أو المنصات المحلية، وهو ما وصفه ناشطون بأنه تعتيم إعلامي متعمد يهدف إلى حجب حقيقة الكارثة عن الرأي العام.
قلق شعبي
أثار هذا التعتيم الرسمي قلقًا واسعًا بين سكان تلودي والمناطق المجاورة، الذين يعيشون في حالة من الذعر وعدم اليقين بسبب انتشار المياه الملوثة وتسرب المواد السامة إلى الأحياء السكنية. ويرى المواطنون أن غياب الشفافية وتقييد تداول المعلومات يشكلان خطرًا إضافيًا على حياتهم، إذ يحرمهم ذلك من اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لحماية أنفسهم وأسرهم. وطالب الناشطون السلطات الصحية والبيئية القومية بالتدخل الفوري لإجراء تحقيق مستقل وشفاف حول أسباب التسمم وانتشاره، ووقف جميع أنشطة التعدين التي تستخدم مواد ضارة إلى حين انتهاء التحقيق، مؤكدين أن حماية صحة الإنسان والبيئة يجب أن تكون أولوية قصوى تتجاوز أي اعتبارات اقتصادية أو سياسية.
خلفية احتجاجية
تجدر الإشارة إلى أن محلية تلودي شهدت خلال السنوات الماضية سلسلة من الاحتجاجات المرتبطة بأنشطة التعدين، بدأت منذ عام 2014، وبلغت ذروتها في عام 2019 عندما اندلعت مواجهات مسلحة بين شباب المنطقة والقوات الأمنية، أسفرت عن سقوط قتلى ووقوع أضرار مادية كبيرة، شملت حرق مقار شركات تعدين وعدد من الآليات. ويُنظر إلى الاحتجاجات الحالية على أنها امتداد لتلك التوترات، في ظل استمرار المخاوف من تكرار الكارثة البيئية والصحية التي تهدد حياة الآلاف من السكان.
Source link



