اخبار السودان

بعثة تقصي الحقائق: الفاشر نقطة تحول مأساوية في النزاع السوداني

في تقرير أممي جديد يكشف عن تصاعد الانتهاكات في مدينة الفاشر، وصفت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان ما يجري بأنه نقطة تحول مأساوية في النزاع المستمر منذ أكثر من عامين، مؤكدة أن الفظائع المرتكبة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وسط دعوات دولية متزايدة لإنهاء الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للضحايا.

تصاعد الفظائع

أعربت بعثة تقصي الحقائق عن قلق بالغ إزاء الانتهاكات الواسعة التي أعقبت سقوط مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور بيد قوات الدعم السريع، معتبرة أن ما يحدث يمثل تحولًا خطيرًا في مسار الحرب السودانية. وفي بيان صدر الخميس، أكدت البعثة أنها جمعت شهادات مباشرة من ناجين تكشف عن هجمات منهجية تستهدف المدنيين على أسس عرقية، شملت إعدامات ميدانية واعتداءات جنسية ونهبًا واسعًا، إضافة إلى تدمير البنية التحتية ونزوح قسري لعشرات الآلاف. رئيس البعثة، القاضي التنزاني محمد شاندى عثمان، وصف المدينة بأنها تحترق بينما يواجه ملايين السودانيين شبح المجاعة، داعيًا إلى تحرك دولي عاجل يترجم معاناة الضحايا إلى أفعال توقف النزيف وتعيد الاعتبار للمساءلة.

انهيار مدني

أشار التقرير الذي حمل عنوان “سبل العدالة: المساءلة عن الفظائع في السودان” إلى أن مدينة الفاشر كانت محاصرة منذ ثمانية عشر شهرًا، تعاني من الجوع والقصف المتواصل، قبل أن تسقط بيد قوات الدعم السريع، ما أدى إلى انهيار شبه كامل للنظام المدني وتفاقم الأزمة الإنسانية. ووفقًا للبعثة، فإن أنماط العنف التي رُصدت في الفاشر ومحيطها ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حيث ارتكبت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع انتهاكات جسيمة شملت القتل المتعمد والهجمات على المدنيين والاعتداء على الكرامة الإنسانية، في ظل غياب أي آلية فعالة للمحاسبة أو الردع.

أزمة العدالة

لفتت البعثة إلى أن الإفلات الممنهج من العقاب في السودان يمثل أحد الأسباب الجوهرية لاستمرار العنف، مؤكدة أن العدالة تُعاق بشكل منهجي، وأن أطراف النزاع غير راغبة أو غير قادرة على التحقيق أو محاسبة الجناة. ودعت البعثة إلى إنشاء هيئة قضائية دولية مستقلة وحيادية تعمل بالشراكة مع المحكمة الجنائية الدولية، لملاحقة المسؤولين عن الجرائم الأشد خطورة بموجب القانون الدولي. كما أوصى التقرير بتوسيع ولاية المحكمة لتشمل كامل الأراضي السودانية، وإنشاء مكتب خاص لدعم الضحايا وصندوق ائتماني لتعويضهم، إلى جانب برامج تدريب للمحققين والموثقين المحليين، بهدف بناء منظومة عدلية قادرة على الاستجابة للانتهاكات.

جرائم ممنهجة

اتهم التقرير قوات الدعم السريع بارتكاب هجمات موجهة عرقيًا، واغتصاب وعنف جنسي، واستخدام التجويع كسلاح حرب عبر تدمير المرافق الأساسية ومنع وصول المساعدات الإنسانية. وأشار إلى أن هذه الممارسات قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وربما إبادة جماعية في بعض المناطق. عضوة البعثة مونا رشماوي أكدت أن الفظائع الموثقة ليست حوادث معزولة، بل جزء من حملات منظمة ترهب المجتمعات وتستغل انهيار النظام القضائي، مشددة على أن تحقيق العدالة يتطلب مؤسسات تحمي الشعب السوداني لا أن تبرر الجرائم بحجة الحرب، في إشارة إلى غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف المتنازعة.

خطوة تاريخية

أشادت البعثة بالحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية في السادس من أكتوبر الماضي ضد أحد قادة الميليشيات في دارفور، علي كوشيب، واصفة إياه بأنه خطوة تاريخية نحو كسر دائرة الإفلات من العقاب في السودان. كما أشار التقرير إلى أن انهيار حكم القانون وتعديلات دستورية أُقرّت في فبراير 2025 ساهمت في تأجيل الانتقال المدني وإطالة أمد النزاع، فضلًا عن الهياكل القضائية الموازية التي أنشأتها قوات الدعم السريع، ما فاقم مناخ الإفلات من العقاب وعمّق معاناة المدنيين في المناطق المتأثرة بالنزاع.

دعوة للتضامن

في ختام البيان، شددت عضوة البعثة جوي نغوزي إيزييلو على أن الشعب السوداني أظهر صمودًا استثنائيًا في وجه الكارثة، مؤكدة أن ما يحتاجه ليس الشفقة بل التضامن الفعلي الذي يحوّل القرارات الدولية إلى عدالة حقيقية. وأوضحت أن استمرار النزاع دون مساءلة سيؤدي إلى ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، داعية المجتمع الدولي إلى تجاوز الإدانات الرمزية نحو إجراءات ملموسة تعيد الاعتبار للضحايا وتضع حدًا لانتهاكات حقوق الإنسان في السودان.

تجدر الإشارة إلى أن بعثة تقصي الحقائق أُنشئت بقرار من مجلس حقوق الإنسان في أكتوبر 2023، وتم تمديد ولايتها حتى أكتوبر 2026، للتحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي منذ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، بما في ذلك الجرائم المرتكبة ضد اللاجئين والنازحين في دارفور ومناطق النزاع الأخرى.


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى