
في مقطع مصور تناول فيه تطورات الحرب في السودان، وصف الصحافي المصري الشهير إبراهيم عيسى سقوط مدينة الفاشر بأنه محطة مفصلية في مسار تفكك الدولة السودانية، مشيرًا إلى أن عوامل الانهيار البنيوي باتت مكتملة، من الإسلام السياسي إلى التنوع القبلي والاستبداد، في ظل صراع عسكري تتداخل فيه الولاءات وتتشابك فيه المصالح الداخلية والخارجية.
اعتبر إبراهيم عيسى أن ما يحدث في دارفور هو امتداد مباشر لسياسات جماعة الإخوان المسلمين، التي أسست الجنجويد وشرعنت وجودهم لاحقًا تحت مسمى قوات الدعم السريع. وأكد أن لا فرق جوهري بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو “حميدتي”، سوى موقع كل منهما في السلطة، فكلاهما، بحسب وصفه، نتاج لنظام إسلامي عسكري دمّر السودان. وأضاف أن سقوط الفاشر ليس حدثًا عسكريًا عابرًا، بل يمثل نقطة تحول في مسار تفكك الدولة، ويؤشر إلى ولادة نظام جديد تحدده فوهات البنادق وخطابات النصر والهزيمة المتبادلة بين الطرفين.
في فجر السادس والعشرين من أكتوبر، استيقظ السودانيون على مقاطع فيديو نشرتها حسابات تابعة لقوات الدعم السريع، تظهر توغل عناصرها داخل مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني في مدينة الفاشر، شمال دارفور. وأعقب ذلك بيان رسمي من الدعم السريع أكد فيه السيطرة الكاملة على المدينة، التي صمدت لأكثر من خمسمئة يوم في وجه الحصار. وفي اليوم التالي، صرّح حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، أن سقوط الفاشر لا يعني التخلي عن الإقليم لصالح جماعات العنف والعمالة، في إشارة ضمنية إلى خسارة المدينة.
اتهمت شبكة أطباء السودان قوات الدعم السريع بارتكاب مذابح بحق المدنيين في الفاشر، بينما نشرت لجان المقاومة مقاطع مصورة توثق عمليات إعدام ميدانية نفذتها عناصر الدعم السريع بحق جرحى وفارين من المدينة. وخلال اليومين الماضيين، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مشاهد مروعة تظهر مطاردات بالسيارات خارج الفاشر، وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين، ما أثار موجة غضب واسعة داخل السودان وخارجه.
أدان خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني والقيادي في تحالف “صمود”، الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر، واصفًا إياها بأنها جرائم بشعة لا يمكن التسامح معها. وطالب باتخاذ إجراءات فورية لوقف هذه الانتهاكات، وتوفير الحماية للمدنيين داخل المدينة، وفتح ممرات آمنة للراغبين في المغادرة دون التعرض لهم. وفي المقابل، كانت قوات الدعم السريع قد تعهدت في بيانات سابقة بحماية المدنيين ومنع مقاتليها من نهب الممتلكات، إلا أن الوقائع الميدانية أثارت شكوكًا واسعة حول مدى الالتزام بهذه التعهدات.
انضمت بريطانيا إلى الولايات المتحدة في دعوة قوات الدعم السريع إلى الالتزام بحماية المدنيين وضمان المرور الآمن. وظهر عبد الرحيم دقلو، القائد الثاني في الدعم السريع، في مقطع مصور يدعو قواته في الفاشر إلى عدم التعرض للمدنيين والكف عن نهب الممتلكات، متوعدًا بالتوجه نحو الأبيض في شمال كردفان، والولاية الشمالية، وأم درمان، وبورتسودان، في مؤشر على اتساع نطاق العمليات العسكرية.
كانت مدينة الفاشر آخر القلاع العسكرية التابعة للجيش السوداني في إقليم دارفور، وبسقوطها، فقدت الحكومة السودانية السيطرة على كامل الإقليم. وتكتسب الفاشر أهمية استراتيجية بالغة، حيث كان وجود الجيش فيها يعرقل خطط الدعم السريع للتقدم شرقًا نحو كردفان، ومن ثم الضغط على أم درمان وولايات الشمال. ويرى محللون أن السيطرة على المدينة تمثل نقطة تحول في مسار الحرب، وتمنح الدعم السريع قدرة أكبر على إعادة توزيع قواته وتعزيز نفوذه في المناطق الحيوية.
من زاوية سياسية، فإن سيطرة الدعم السريع وحلفائه على كامل دارفور، بعد تشكيل حكومة “تأسيس” الموازية، قد تفتح الباب أمام سيناريو ليبي في حال فشل مفاوضات التسوية برعاية الرباعية الدولية. ويشير مراقبون إلى أن هذا التطور قد يؤدي إلى حكم ذاتي أو حتى التلويح بالانفصال، في ظل غياب توافق سياسي شامل، وتزايد الانقسامات الجغرافية والمؤسساتية داخل البلاد.
يرى خبراء عسكريون أن المعركة في الفاشر لم تُحسم بعد، وأن الجيش السوداني سيحاول استرداد المدينة مستفيدًا من تفوقه الجوي، لا سيما في استخدام الطائرات المسيّرة، بهدف إنهاك قوات الدعم السريع وإرباكها، تمهيدًا لدفع وحدات المشاة إلى داخل المدينة. وفي المقابل، يرى مراقبون أن الدعم السريع قد يكون وقع في فخ التصعيد الدولي، خاصة مع تزايد المؤشرات على ارتكاب انتهاكات إنسانية واسعة، ما قد يؤثر سلبًا على ملف المفاوضات ويزيد من عزلة الدعم السريع على المستوى الدولي.
تنويه : الخبر تم جلبه من المصدر ونشره اليا في اخبار السودان كما هو رابط
المصدر من هنا
Source link



