
لولا الدعم الخارجي، لما استطاع أيٌ من الطرفين في السودان إطالة أمد الحرب. وقد أدى هذا الصراع إلى تحول البلاد إلى أحد أسوأ مناطق الكوارث الإنسانية في العالم، وأدى مؤخراً إلى عمليات قتل جماعي وارتكاب فظائع ضد المدنيين السودانيين في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي تعد أيضا، من الناحية التاريخية، عاصمة إقليم دارفور بأكمله.
اندلعت الحرب في أبريل/ نيسان 2023 عندما اختلفت القوات المسلحة السودانية، حول دمج قوات الدعم السريع شبه العسكرية في الجيش النظامي.
ونظرا لاستمرار القتال في دارفور، فلا يمكن تقدير عدد القتلى، لكن منظمات الإغاثة والأمم المتحدة قالت إن عددهم تجاوز 140 ألف قتيل.
يبلغ عدد سكان السودان51 مليون نسمة، ويعتمد حوالي نصف هذا العدد على المساعدات الإنسانية. وقد انتشرت المجاعة والأمراض بشكل كبير، وتضررت أجزاء كبيرة من البنية التحتية والأراضي الزراعية في البلاد.
ويقول مراقبون إن الحكومة السودانية المعترف بها دوليا بقيادة عبد الفتاح البرهان، الذي يرأس أيضا القوات المسلحة السودانية، تحظى بدعم من مصر وتركيا وروسيا وإيران. وينفي المصريون والسعوديون دعم أي جهة سودانية بالسلاح. ويُزعم أن قوات الدعم السريع تتلقى دعما من الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن الإماراتيين ينكرون ذلك.
وقالت هاجر علي، الباحثة في المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA)، في تصريح لـ DW: “كان لدى قوات الدعم السريع عدد من الموردين للأسلحة والوقود خلال الحرب، لكن الإمارات العربية المتحدة لا تزال المورد الرئيسي”.
أجندة الإمارات في السودان تثير الجدل
نفت الإمارات العربية المتحدة مرارا دعمها لقوات الدعم السريع، واصفة هذه المزاعم بأنها حملة إعلامية من جانب القوات المسلحة السودانية، وطالبت باعتذار. ويوم الخميس (30/10/2025)، أدانت أبوظبي أيضا فظائع قوات الدعم السريع ضد المدنيين، وأعلنت عن مساعدات إنسانية بقيمة 100 مليون دولار (86 مليون يورو).
ومع ذلك، فقد وجدت الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان أدلة متكررة على إمدادات عسكرية من الإمارات العربية المتحدة. ويخلص محللون مستقلون بانتظام إلى أن الأسلحة والذخائر التي تستخدمها قوات الدعم السريع إماراتية.
وقالت مصادر من وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية ومكتب الاستخبارات التابع لوزارة الخارجية لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية الأسبوع الماضي: “تشمل هذه المواد طائرات مسيرة متطورة صينية الصنع، إلى جانب أسلحة صغيرة، ورشاشات ثقيلة، ومركبات، ومدفعية، وقذائف هاون وذخيرة”.
وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة صدر في يناير/ كانون الثاني 2024 أن الميليشيات المتحالفة مع الجنرال الليبي خليفة حفتر تستخدم علاقات تهريب قائمة مسبقا لتزويد قوات الدعم السريع بالوقود والمركبات والذخيرة.
وتؤكد هاجر علي أن “الإمارات العربية المتحدة هرّبت أسلحة مباشرة عبر الحدود الليبية إلى السودان، وكذلك عبر تشاد وأوغندا. إنها أكبر مستورد للذهب السوداني تقليديا، أي أن لديها مصلحة راسخة في الحفاظ على وصولها إلى ذهب السودان”.
بالنسبة لقوات الدعم السريع، فقد أصبحت موارد الذهب الغنية في السودان، والتي تقع بشكل رئيسي في الأراضي الخاضعة لسيطرتها، عملة رئيسية لشراء الأسلحة والتهرب من العقوبات.
وأضافت المتحدثة: “نفترض أن الأسلحة المستخدمة حاليا في السودان ليست من قلة من الموردين فحسب، بل هي أسلحة تُهرَّب في منطقة الساحل بأكملها”، مضيفة أن تسليم الأسلحة في ساحة المعركة غالبا ما يتم بواسطة فيلق أفريقيا، وهو القسم الأفريقي التابع لمجموعة فاغنر الروسية.
في يناير/ كانون الثاني، فرضت الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها آنذاك برئاسة جو بايدن عقوبات على كلا الجانبين. كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على سبع شركات من الإمارات العربية المتحدة واتهمتها بتوفير الأسلحة والتمويل وغير ذلك من أشكال الدعم لقوات الدعم السريع.
مصالح أخرى في السودان
تُعد مصر داعما رئيسيا للقوات المسلحة السودانية، وتعترف بحكومة البرهان كجهة سودانية رسمية. ووفقا لتقرير صادر عن “معهد الحرب”، وهو مركز أبحاث مستقل، فقد قامت مصر أيضا بتدريب طيارين من القوات المسلحة السودانية وزودتهم بطائرات بدون طيار، وهو ما تنفيه القاهرة. وتحرص القاهرة على ألّا ينتقل الصراع الدائر في السودان إلى داخل الحدود المصرية، وتأمل في إعادة ملايين اللاجئين السودانيينإلى بلدهم.
ومن الداعمين الآخرين للقوات المسلحة السودانية إيران، التي زودتها أيضا بطائرات مسيرة. وتأمل طهران في تأمين قاعدة بحرية على البحر الأحمر تُمكّنها من مواصلة دعم ميليشيا الحوثي في اليمن. ومن المعروف أن السودان أصبح مركزا لوجستيا للحوثيين.
كما زودت تركيا القوات المسلحة السودانية بطائرات مسيرة وصواريخ. وسبب اهتمام أنقرة هنا هو تأمين الوصول إلى البحر الأحمر.
أمّا فيلق أفريقيا، الذي ترعاه روسيا، فهو الآخر متدخل في الحرب لصالح قوات الدعم السريع، ورغم ذلك فإن روسيا نفسها تلعب دورا محدودا نسبيا في السودان، وفقا لتحليل آخيم فوغت، المسؤول بمؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، في تصريح أدلى به لـ DW.
وقال فوغت إن “لديهم مصالح اقتصادية فيما يتعلق بصادرات الذهب وميناء بورتسودان، لكنهم أوضحوا لحد ما عدم رغبتهم في التدخل في ما يسمونه صراعًا داخليًا”.
هل يمكن لـ”مجموعة الرباعية” أن تُجدي نفعا؟
يرى فوغت أن الدول الأربع التي تُشكّل ما يُسمى “مجموعة الرباعية” وهي: الولايات المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يُمكنها ممارسة نفوذ حقيقي في السودان على الرغم من تحالفاتها المختلفة مع الجانبين. وكان هدف المجموعة هو وضع خارطة طريق لإنهاء الحرب، أو على الأقل الوصول لهدنة إنسانية.
وقال فوغت إنه إذا اجتمعت هذه الدول، بدعم من الدول الأوروبية مثلا، فيمكنها تحقيق العودة إلى الاحتكام للقانون الإنساني الدولي، ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان، وتحسين الوضع الإنساني للسكان المدنيين.
ومع ذلك، في 26 أكتوبر/ تشرين الأول من هذا العام، انتهت محادثات الرباعية في واشنطن، التي كان من المفترض أن تجمع الأطراف المتحاربة للاتفاق على وقف إطلاق نار لمدة ثلاثة أشهر، دون نتيجة. وفي اليوم نفسه، سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر وصعّدت عمليات القتل الجماعي وغيرها من الفظائع.
وبحسب ليتيسيا بدر، مديرة قسم القرن الأفريقي في هيومن رايتس ووتش، فإن حجم وخطورة الانتهاكات الأخيرة في الفاشر ومحيطها يتطلبان “محاسبة قيادة قوات الدعم السريع وداعميها، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة، التي واصلت تقديم الدعم، وذلك في ظل وجود أدلة واضحة على الجرائم“، حسبما صرحت لـ DW.
وقالت بدر: “نود أن نرى مجلس الأمن الدولي يتحرك فورا لفرض عقوبات على قادة قوات الدعم السريع، وندعو المجتمع الدولي إلى ضمان المساءلة السياسية والجنائية”.
بولس يزور القاهرة وتحركات في بورتسودان
يُذكر أنه في ظل الغضب الدولي إزاء المجازر والجرائم المرتكبة في الفاشر، اعتقلت قوات الدعم السريع، يوم الجمعة الماضي، عددا من مقاتليها، لكن المراقبين يقولون إن الفظائع لا تزال مستمرة.
ويوم الأحد (الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني)، عقد الموفد الأمريكي لأفريقيا، مسعد بولس، لقاءات في القاهرة مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، تناولت جهود وقف إطلاق النار في السودان. وأكد الجانب المصري أهمية التوصل إلى هدنة إنسانية، فيما عرض بولس تفاصيل التحركات الأمريكية لدعم المساعدات وبدء حوار داخلي، وفق ما نقلته وكالة فرانس برس.
وأوردت الوكالة الثلاثاء، نقلا عن مصدر حكومي في بورتسودان طلب عدم الكشف عن هويته، أن مجلس الأمن والدفاع السوداني، برئاسة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، يبحث مقترح هدنة تقدّمت به الولايات المتحدة لإنهاء النزاع.
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة



