أخبار العالم

حضرموت.. ساحة صراع جديدة على النفوذ بين السعودية والإمارات؟ – DW – 2025/12/3

تخفي حضرموت، شرقي اليمن، في أعماقها كنوزا من الذهب الأسود، وكأنه شريان حياة يتدفق تحت رمالها. ورغم القتال المستعر لسنوات في معظم محافظات اليمن، فإن حضرموت كانت من بين المناطق القليلة التي نعمت بهدوء نسبي.

بيد أن حضرموت تشهد اليوم تصعيدا خطيرا ما دفع المراقبين إلى التحذير من أن المحافظة باتت على أعتاب انفجار.

فقبل أيام، أعلن ما يُعرف بـ”حلف قبائل حضرموت” أن قواته سيطرت على منشآت نفطية مهمة في المحافظة، التي تُعد أكبر محافظات اليمن مساحة وأغناها بالنفط، ردا على تقدم قوات تابعة لما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي” للسيطرة على المحافظ الجنوبية. 

ويترأس الحلف الشيخ القبلي البارز ووكيل أول محافظة حضرموت عمرو بن حبريش، ويُعد تشكيلا قبليا معروفا بمناهضته للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، والذي يسعى لانفصال جنوب اليمن.

يرى أحمد ناجي، المحلل الأول للشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية، أن حلف قبائل حضرموت “ليس إطارا مستجدا أو وليد اللحظة، بل كيان تأسس عام 2013 ليعبّر عن مطالب أبناء المحافظة”.

وفي مقابلة مع DW عربية، أضاف أن هذا الحلف القبلي “يؤكد رفضه لمحاولة أي كيان خارجي – سواء المجلس الانتقالي الجنوبي أو غيره – استيعاب حضرموت ضمن مشاريعه السياسية”.

الحياة في مدينة سيئون في محافظة حضرموت (أرشيف)
تثير معادلة حضرموت لغزا: هل النفط هو ما يسيل لعاب الرياض وأبوظبي؟صورة من: Yunus Hocaoglu/Anadolu/picture alliance

حضرموت..تنافسبين الإمارات والسعودية

وعزا “حلف قبائل حضرموت” في بيانه السيطرة على منشآت نفطية في المحافظة إلى “الدفاع عن الثروات الوطنية من أي اعتداء أو تدخل خارجي باعتبارها ثروة شعب وتحت غطاء الدولة الشرعية الرسمية”.

ويستخدم الحلف تعبير “القوى الخارجية” للإشارة إلى القوات التي دفع بها المجلس الانتقالي الجنوبي في الآونة الأخيرة ضمن تشكيلات قوات “النخبة الحضرمية” المدعومة من الإمارات.

وفي هذا السياق، قال أحمد ناجي إن حلف قبائل حضرموت “يرى أن الحكومة، بوضعها الراهن، غير قادرة على الوقوف في وجه المجلس الانتقالي، بل صارت تعمل ضمن نفوذه. ومن هذا المنطلق، اندفع الحلف إلى فرض أمر واقع”.

ويقول مراقبون ومحللون سياسيون إن حضرموت تشهد تداخلا معقدا بين القوى العسكرية المحلية والإقليمية، وسط تنافس متصاعد على النفوذ.

ويشير الدكتور داوود الأنصاري، الخبير في شؤون الطاقة والخليج ورئيس “مجلس مجان” وهو مركز فكري خليجي مقره مسقط، إلى أنه “يجب النظر إلى الصراع في حضرموت في المقام الأول ضمن السياق الأوسع للتنافس المتصاعد بين الإمارات و السعودية خلال السنوات الأخيرة”.

وفي مقابلة مع DW عربية، أضاف الأنصاري، الخبير السابق في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، أن “التوترات في محافظة حضرموت تأتي ضمن نمط مستمر منذ نحو عقد من الزمن، من حيث سلوك الوكلاء المحليين التابعين لكل من السعودية والإمارات داخل اليمن، كما تعكس في الوقت نفسه التصعيد التدريجي في علاقاتهما الثنائية”.

جندي يمني في محافظة حضرموت (ارشيف)
تعد محافظة حضرموت أكبر محافظات اليمن وهي غنية بالنفط وقد حافظت على استقرارها طوال فترة الحرب (أرشيف)صورة من: Ute Grabowsky/photothek/picture alliance

لماذا حضرموت؟

تخضع محافظة حضرموت لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، ويدعمها تحالف تقوده السعودية، تدخل في البلاد في مارس/آذار 2015 لمحاربة حركة الحوثي المتحالفة مع إيران.

وتشكل حضرموت حوالي ثلث مساحة اليمن، وفيها موانئ حيوية، ما جعلها مصدر صراع بين عدة أطراف رغم أنها كانت بمنأى عن الحرب المستمرة بين القوات الحكومية والحوثيين منذ أكثر من عشر سنوات.

وعن أهمية حضرموت، يقول الباحث أحمد ناجي إن “السيطرة عليها هدف استراتيجي لكل الأطراف، بسبب كونها أغنى المحافظات اليمنية من حيث الثروة النفطية. يضاف إلى ذلك الموقع الجيوسياسي للمحافظة، التي تمتد من سواحل بحر العرب حتى الحدود اليمنية-السعودية، بما يمنح من يهيمن عليها مزيجا فريدا من النفوذ البري والبحري”.

وأضاف أن هذا “يحوّل الصراع حول تمثيل حضرموت وإدارتها إلى إحدى أكثر ملفات النزاع اليمني تعقيدا وتشابكا بين المحلي والإقليمي”.

في تقرير نُشر في مارس/آذار الماضي، قال معهد (نيولينز)للاستراتيجية والسياسة إن الحكومة اليمنية قامت ببيع مليوني برميل من النفط الخام من حقول النفط في حضرموت و600 ألف برميل من حقول النفط في محافظة شبوة الجنوبية، مما شكل لها مصدرا حيويا للنقد.

ولم يوضح التقرير الفترة الزمنية، لكن تقاريرأشارت إلى ان عمليات البيع كانت كل شهرين تقريبا وذلك قبل توقف عمليات التصدير عقب هجوم نفذته ميليشيا الحوثي بطائرات مسيرة على ميناء الضبة بحضرموت أواخر 2022.

ويُعد قطاع النفط والغاز أهم مورد لإيرادات الحكومة في اليمن، إذ يشكل ما نسبته 70 بالمئة من دخل البلاد، بحسب تقرير لرويترز العام الماضي.

مدينة شبام التاريخية في حضرموت (أرشيف)
أعلن “حلف قبائل حضرموت” السيطرة على منشآت نفطية في حضرموت التي تُعد أكبر محافظات اليمن مساحة وأغناها بالنفط.صورة من: Konstantin Kalishko/Zoonar/picture alliance

كعكة حضرموت.. النفط أم ماذا؟

في تقريرنشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أواخر العام الماضي، فإن السعودية تعتبر “حضرموت منفذا إلى بحر العرب، مما سيُمكنها ـ في حالة السيطرة على المحافظة كليا أو جزئيا ـ من تنويع طرق تجارتها وتصدير الطاقة، فضلا عن أن المحافظة يمكن أن توفر للمملكة عمقا استراتيجيا من خلال تقليل اعتمادها على مضيق هرمز“.

وقال التقرير إن الإمارات بدأت عام 2016 في “تحدي النفوذ السعودي”، حيث أنشأت “قوات النخبة الحضرمية للمساعدة في إنهاء وجود  تنظيم القاعدة  في جزيرة العرب”، وهو المبرر المعلن. وأضاف التقرير أنه منذ ذلك الحين، “وسعت الإمارات نفوذها على طول ساحل بحر العرب، الذي تعتبره السعودية جزءًا من مجال أمنها القومي”.

وتثير معادلة حضرموت لغزا: هل النفط هو ما يسيل لعاب الرياض و أبوظبي؟

وفي معرض إجابته، قال داوود الأنصاري إنه “لا يمكن اعتبار احتياطات النفط في اليمن عاملا ذا أهمية اقتصادية مباشرة بالنسبة للسعودية أو الإمارات، فتكلفة انخراط البلدين في اليمن تفوق بكثير أي عائد محتمل من النفط اليمني”.

وأضاف “لا يتمثل هدف أي من الطرفين في تحقيق الربح من نفط اليمن، لكن مع ذلك، فإن النفط يمثل عامل قوة حاسمة ضمن المعادلة الداخلية اليمنية. فالوصول إلى احتياطيات النفط يُعد عاملًا حاسمًا لأي طرف محلي يسعى إلى إعادة الإعمار وكسب الشرعية”.

وأشار إلى أنه رغم أن السعودية والإمارات “لا تسعيان إلى النفط من أجل مصالحهما الاقتصادية المباشرة، فإن من المرجح أنهما معنيتان بالتحكم في أي طرف محلي يتمكن من الوصول إلى هذه الموارد، لأن ذلك يترجم إلى قدرة على فرض النفوذ السياسي”.

تعاون بين الحوثيين وشباب الصومال.. كيف سيمنعه ترامب؟

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video

وحذر تقرير كارنيغي من أن التنافس المتنامي بين الرياض وابو ظبي وبين الجهات المحلية الفاعلة التي تدعمهما “يُعرّض استقرار حضرموت للخطر ويُفاقم الانقسام المحلي”.

وفي هذا الصدد، قال الخبير أحمد ناجي إن مستقبل حضرموت “يظل مرهونا بحزمة من العوامل المرتبطة بمسار الأزمة اليمنية ككل، مثل طبيعة الحوار مع جماعة الحوثيين وإمكانية التوصل إلى مسار سياسي فعال، فضلا عن شكل ومستوى التفاهم الممكن بين السعودية والإمارات”.

تحرير: عبده جميل المخلافي


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى