
ذهبوا لقطاف محصول الزيتون من الحقل لأول مرة، بعد سنوات من التهجير قضوها بعيدا عن قراهم الواقعة شمالي مدينة حماة، وسط سوريا. إلا أن الألغام فاجأتهم. حيث لقي ثلاثة شبان من قرية العوجة القريبة من قمحانة مصرعهم، وأصيب آخرون، عقب انفجار لغم أرضي.
قمحانة التي شهدت معارك عنيفة خلال سنوات الحرب في سوريا، وتبدلت مواقع السيطرة عليها أكثر من مرة، قبل أن يتم طرد قوات الأسد منها للمرة الأخيرة بتاريخ الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2024، أي قبل ثلاثة أيام من سقوط نظام الأسد. ولذلك تنتشر في مختلف المناطق المحيطة بقمحانة الكثير من الألغام الأرضية ومخلفات الحرب.
وتسعى الفرق المختصة لإزالة هذه الذخائر والألغام في عموم المناطق السورية. وقد تمكنت من إزالة 2621 ذخيرة غير منفجرة، كما حددت فرق المسح التقني 900 موقع ملوث بمخلفات الحرب في مختلف المناطق.
إلا أنها تبقى أرقاما ضئيلة، نظرا لحجم انتشار الألغام، حيث تشير الأرقام التقديرية إلى وجود ما يصل إلى 300 ألف من مخلفات الحرب غير المنفجرة في سوريا، تنتشر في مناطق واسعة، نظرا لتغير خطوط الجبهات خلال فترة الحرب.
أعداد الضحايا خلال عام
ومنذ سقوط نظام الأسد قبل عام، وثقت منظمة “هانديكاب إنترناشونال” غير الحكومية 725 حادثا أسفرت عن وقوع حوالي 1400 ضحية، نتيجة للألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في جميع أنحاء البلاد، فيما تم تسجيل 933 ضحية في عام 2023. وتعود هذه الزيادة إلى عودة السكان إلى مناطقهم بعد تحريرها من قوات الأسد والميليشيات الحليفة لها.
وأشارت نفس المنظمة إلى “أن 15.4 مليون سوري يواجهون خطر مخلفات الحرب“. ولذلك تسعى وزارة الطوارئ السورية لمسابقة الزمن كي تتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن أمام هذا الرقم الكبير تبدو المهمة صعبة للغاية.
وتقدم منظمتا “هانديكاب إنترناشونال” و”هالو تراست” غير الحكوميتين الدعم والخبرة الفنية لمساعدة السكان. حيث تنشط الأولى في شمال شرقي سوريا، فيما تعمل “هالو تراست” منذ عام 2016 على دعم السكان في شمال غربي سوريا، وأيضا في جنوب البلاد، خارج مناطق سيطرة الأسد. والآن بعد سقوط نظامه وسعت “هالو تراست” نطاق عملهما.
شجاعة المتطوعين المحليين
ولكن ما كان يمكن للمنظمتين أن تحققا أي نجاح في جهود إزالة الألغام لولا الإقبال من الشباب والشابات في المدن والقرى السورية.
ومن بينهم الشابة السورية هبة كدع (29 عاما)، التي ترتدي سترة وخوذة وتعمل بجد من أجل التخلص من ذخائر غير منفجرة من مواقع مختلفة في ريفي حلب وإدلب. وأمضت خريجة الفيزياء السنوات الثلاث الماضية في التوعية بمخلفات الحرب ضمن فريق تدعمه منظمة (هالو تراست). ثم انتقلت مطلع العام الجاري للمشاركة في نشاط إزالة وتدمير الذخائر غير المنفجرة. وقالت هبة إنها وفريقها المؤلف من امرأتين وثلاثة رجال يزيلون شهريا ما بين 100 و200 نوع مختلف من مخلفات الحرب، منها قذائف وألغام وقذائف مورتر.
وأوضحت هبة، التي تعيش مع أسرتها في ريف إدلب، أنها أكملت عدة دورات تدريبية للتحضير لمخاطر إزالة الألغام. وقالت لـ DW عربية “خضعت لدورات متعددة من مدربين أجانب ومدربين عرب في هذا المجال، وبروتوكولات السلامة والأمن المعتمدة دوليا، وطريقة إزالة مخلفات الحرب بطريقة آمنة وصحيحة بحيث احنا نحافظ على حمايتنا أولا، وثم نحافظ على حماية الأشخاص الموجودين”. وأكدت قائلة “هو عمل غير وظيفي؛ هو عمل إنساني. يجب أن أعمل فيه أولا لحماية أهلي وحماية الناس المحيطين”.
وعن وفاة قريبة لها في عام 2019 بينما كانت تلهو بقذيفة غير منفجرة قالت “أنا عشت حالة لأحد أقربائي. كانت بتلعب بمقذوف، طفلة عمرها تسع سنين… فانفجر فيها وتوفيت. نتيجة ههذ الحالة التي أصابتني قررت أن أعمل في التوعية في البداية. لكن (مع) كثرة حالات الإصابة… (صار) لازم نشتغل على إزالة هذه المخلفات لأن الخطر اصبح كبيرا جدا”. وفي تأكيد لشعورها بواجبها في حماية من حولها، قالت “مع كل عودة شخص إلى بيته، يتم إبلاغنا عن مخلف جديد. عدد البلاغات التي تصلنا يوميا كبير، ولا نستطيع أن ننجزها كلها”.
تقنية ألمانية متطورة للكشف عن الألغام
أجرت وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث السورية في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، تجربة لطائرة مسيرة “درون” ألمانية متطورة ومخصصة للكشف عن الألغام.
التجربة كانت في منطقة دروشا، التابعة لناحية سعسع في ريف دمشق، بحضور معاون الوزير من الجانب السوري، والقائم بأعمال السفارة الألمانية بدمشق كليمنس هاخ. وذكرت الوزارة أن الطائرة تستخدم تقنيات تصوير حراري ونظام مسح متقدم لتمييز الألغام المدفونة تحت الأرض حيث يتم تحليل البيانات الملتقطة عبر كاميرات خاصة وأجهزة استشعار دقيقة.
وتعمل الطائرة على التحليق فوق المناطق المشبوهة وتستخدم تقنية الماغنومتر لتحديد مواقع الألغام والذخائر غير المنفجرة ما يسهل عملية التخلص من خطر الألغام ومخلفات الحرب. ويمكن للطائرة مسح 10 آلاف متر مربع خلال 35 دقيقة، وهي أكثر أمانا على العناصر المشاركين في عملية إزالة الألغام.
هذه الطائرات المسيرة المتطورة تعتبر أحد جوانب الدعم الألماني لسوريا. هذا الدعم كان يقدم سابقا للسكان خارج مناطق سيطرة نظام الأسد، وذلك عبر منظمات غير حكومية. وفي عام 2024 وحده، قدمت وزارة الخارجية الألمانية 70 مليون يورو لدعم مشاريع إزالة الألغام حول العالم. وسوريا تعتبر إحدى أهم الدول التي تلقت الدعم الألماني في هذا المجال عبر منظمتي “هانديكاب إنترناشونال” و”هالو ترست”.
تحرير: عارف جابو
Source link



