أخبار العالم

“ملف دمشق” ـ كيف وثَّق نظام الأسد وحشية تعذيب وقتل ضحاياه! – DW – 2025/12/4

 

في ليلة هروب الرئيس السابق بشار الأسد، الذي حكم سوريا لفترة طويلة، اتخذ العقيد محمد (تم تغيير الاسم) خلال بضع ثواني قرارًا ربما هو الأهم في حياته. في تلك الأيام من شهر كانون الأول/ديسمبر 2024، اشتعلت الحرائق في مخافر شرطة ومكاتب مخابرات ومحاكم. والتهمت النيران الكثير من الأدلة على فظائع سنوات حكم الديكتاتور.

فتح العقيد محمد الخزنة في مكتبه بقسم حفظ الأدلة في الشرطة العسكرية بدمشق، كما قال. أخذ قرصًا صلبًا مدمجا وهرب، ثم أختفي ومعه هذه الأدلة.

نظام الأسد كان يوثق جرائمه 

وبعد عدة أشهر، وجد القرص طريقه إلى فريق من الصحفيين من إذاعة شمال ألمانيا (NDR)، الذين شاركوا محتوياته مع إذاعة غرب ألمانيا (WDR) وصحيفة زوددويتشه تسايتونغ والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ). وهذا القرص ـ وفق تحقيق* الجهات آنفة الذكر بعنوان “ملف دمشق” (Damascus Dossier)ـ  يمكن أن يقدّم معلومات حول مصير آلاف السوريين المفقودين. إذ توجد عليه أكثر من 70 ألف صورة يظهر فيها 10,212 شخصًا سوريًا يشتبه بقتلهم من قبل قوات الأمن السورية.

وهذا القرص الصلب يظهر بوضوح وحشية ومنهجية نظام بشار الأسد في تعذيب آلاف الأشخاص حتى الموت، وكيف وثّق جهاز الأمن بدقة هذه الإبادة الجماعية التي ارتكبها بحق شعبه. ومحتواه يطرح هذا السؤال: كيف كان من الممكن أن تحدث أمام نظر المجتمع الدولي واحدة من أكبر جرائم حقوق الإنسان في عصرنا الحاضر؟

سوريا، دمشق 2024 - بحث عن مفقودين في دمشق
إعلانات للبحث عن مفقودين في دمشقصورة من: Yamam Al Shaar/REUTERS

وفي أحد أيام شهر تشرين الثاني/نوفمبر، جلس العقيد محمد على كرسي في غرفة مظلمة وأخبر المراسلين عن موضوع القرص الصلب. وقد سبقت هذا اللقاء عدة أشهر من المفاوضات، وذلك بسبب خوف العقيد على حياته – فهو يخشى من الحكام الجدد في سوريا وكذلك من العناصر القديمة في نظام الأسد. وخلال اللقاء كانت الستائر مغلقة بإحكام لحجب الرؤية.

الضحايا مجرد أرقام في سجلات النظام

يجب ألا يتمكن أحد من التعرف على وجه هذا الرجل الذي مكّن العالم الآن من رؤية هذه الصور. وهو يقول: “توجد أشياء يجب أن يعرفها الناس”. ويضيف موضحًا دوافعه: “توجد أرواح بشر تمت إبادتهم والعائلات يجب أن تعرف أين أقاربهم وذويهم”. وينفي العقيد محمد بشدة ارتكابه أي ذنب شخصي، على الرغم من أنَّه كان طيلة سنوات جزءًا من النظام والجهاز الأمني في نظام الأسد. 

يحتوي “ملف دمشق” على صور لمعتقلين موتى وعددهم 10,212 معتقلًا. صور اِلتُقط معظمها في الفترة بين منتصف عام 2015 وحتى سقوط نظام الأسد في نهاية عام 2024. والصور معظمها تقريبًا لجثث قتلى معظمهم رجال. وتوجد بينها أيضًا صور لنساء وقاصرين ولطفل رضيع واحد على الأقل.

وقد كتب طبيب مختص في علم الأمراض أرقامًا على الجثث الميتة، وذلك ربما من أجل التمكن من تحديد هويتها لاحقًا. وكل صورة لديها رمز على بطاقة فهرسة رقمية يشير إلى هوية الجثة. وفي حالات قليلة توجد أسماء أيضًا على الصور. ومعظم الجثث لم يتم تحديد هويتها حتى اليوم.

سوريا، دمشق 2024 - زنزانة انفرادية
زنزانة انفرادية في معتقل في دمشق بسورياصورة من: Hussein Malla/AP Photo/picture alliance

الإخفاء في سجون نظام الأسد

مازن الحمادة ناشط حقوقي كان يعتبر مفقودًا لفترة طويلة أيضًا. وفي عام 2020، كان هذا المعارض المعروف قد عاد إلى سوريا بعد سنوات من المنفى في أوروبا. وتم اعتقاله مباشرة في مطار دمشق واختفى في سجون النظام. وحتى سقوط الأسد، لم تكن عائلته تعرف أين هو. ثم تم العثور على جثته في غرفة تبريد داخل مستشفى.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، اجتمعت عائلته في مقبرة تقع على أطراف العاصمة السورية دمشق. وقف شقيقه فوزي وشقيقته أمل عند قبره. وأهله يستطيعون على الأقل زيارة قبره – على العكس من آلاف العائلات الأخرى في سوريا.

آثار تعذيب وسوء تغذية

وهذه الصور شاهدة صامتة على آلة قتل لم يوقفها أحد طيلة عقود من الزمن. أظهرت مجموعة من الصور اختارها الصحفيون لجثث عددها 565 جثة، أنَّ ثلثي الجثث كانت عارية أو ترتدي فقط ملابس قليلة، وثلاثة أرباع القتلى كانوا يعانون من سوء التغذية.

وأكثر من نصف الجثث فيها إصابات واضحة في الوجه والرأس والرقبة. وتوجد لدى كثير من الجثث حروق بأعقاب السجائر، وبعضها منتشرة على الجسم كله. وتظهر على خمس الجثث إصابات غير حادة مثل الكدمات، بينما تظهر على جثث أخرى أثار جروح.

ويؤكد العقيد محمد أيضًا  الدور الخاص الذي لعبته المستشفيات العسكرية  في آلة القتل لدى نظام الأسد. ويقول إنَّ “مستشفى حرستا العسكري مختص بموجب تعليمات القيادة العامة في تصوير معتقلي المخابرات فقط”. ويذكر أنَّه تم إعداد ملف في القضاء العسكري لكل قتيل.

سجن صيدنايا في سوريا
البحث عن معلومات في سجن صيدنايا في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسدصورة من: Hussein Malla/dpa/picture alliance

حرق كثير من الملفات لإخاء الأدلة

وبحسب تحقيقات أجراها الصحفيون في المحكمة العسكرية بدمشق، يبدو أنَّ الكثير من الملفات تم إحراقها هناك. ويحاول الحكام الجديد حاليًا مراجعة الملفات المتبقية منها. والآن يمكن أن تكون البيانات التعريفية الخاصة بالصور الموجودة على هذا القرص الصلب، ورموز الملفات، ومعلومات الصور نفسها مفيدة في البحث عن المفقودين وكذلك في مقاضاة الجناة المشتبه بهم.

ولم تجب الحكومة السورية الحالية وكذلك الرئيس السابق بشار الأسد على استفسارات فريق التحقيق الصحفي حول هذه الاتهامات.

تقديم ملف البيانات إلى المدعي العام الاتحادي

وبحسب معلومات إذاعة شمال ألمانيا وإذاعة غرب ألمانيا وكذلك صحيفة زوددويتشه تسايتونغ فقد تم الآن تقديم ملف البيانات هذا أيضًا إلى المدعي العام الاتحادي في ألمانيا. ويمثل هذا الملف جزءًا من قضية تحقيق هيكلي خاصة بسوريا، ولعبت فيها صور مشابهة دورًا.

وفي هذا الصدد قال المدعي العام الاتحادي ينس روميل لـإذاعة شمال ألمانيا وإذاعة غرب ألمانيا وصحيفة زوددويتشه تسايتونغ إنَّ هذه “الصور المقدّمة لنا حول سوريا تُكمّل شهادات الشهود. وتظهر للجميع بشكل واضح جدًا، وكذلك أيضًا بموضوعية، ما عانى منه السوريون”. ويمكن في ألمانيا أيضًا محاكمة مجرمي نظام الأسد بموجب مبدأ ما يعرف باسم الولاية القضائية العالمية. ويريد الآن مكتب المدعي العام الاتحادي إجراء تحليل جنائي لملف البيانات الجديد.

شارك في التحقيق:

فولكمار كابيش وأنطونيوس كمبمان وأمير موسوي وسيباستيان بيتيلكو وبينيديكت شترونتس وسليمان تدمري (إذاعة شمال ألمانيا) وبترا بلوم إذاعة غرب ألمانيا. نشر في موقع تاغيسشاو الألماني وصحيفة زوددويتشه تسايتونغ. والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين. بالتعاون مع: هنا الهيتمي وعصام يحيى.

مأساة المفقودين في سوريا

To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى