أخبار العالم

جين يسبب السرطان في بنك حيوانات منوية دنماركي – DW – 2025/12/11

عندما رنّ هاتف المرأة صباح أحد أيام شهر حزيران/ يونيو، لم تكن تعلم أن الخبر الذي ستتلقاه سيُدخلها وابنتها المراهقة في دوامة من المواعيد الطبية والفحوصات والخوف.

المتصل كان رئيس قسم الخصوبة في عيادة بلجيكية كانت ترتادها عام 2011 للخضوع لعلاج الخصوبة، الذي لم يكن متاحاً آنذاك للأمهات العازبات في فرنسا. وبعد الحمل انقطعت علاقتها بالعيادة.

أخبرتها المتصلة أن المتبرع بالحيوانات المنوية الذي استخدمته لإنجاب ابنتها يحمل طفرة جينية نادرة في جين TP53، المسؤول عن كبح نمو الخلايا السرطانية. ترتبط هذه الطفرة بزيادة خطر الإصابة بأنواع متعددة من السرطان مدى الحياة، وكثير منها قد يظهر في سن مبكرة جداً. قالت المتصلة إن ابنتها لديها فرصة بنسبة 50 بالمئة لوراثة هذه الطفرة، التي لا يوجد لها علاج. وقيل لها إنه من “الضروري” إجراء فحص لابنتها للكشف عن هذه الطفرة.

قالت المرأة، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها: “لقد كانت صدمة. لم أفهم شيئاً”. وسرعان ما علمت أن ابنتها تحمل بالفعل الطفرة الجينية.

المتبرع بالحيوانات المنوية رقم 7069

في الواقع، بعد اكتشاف الطفرة في عينات المتبرع، قام بنك الحيوانات المنوية الأوروبي (ESB)، الذي باع الحيوانات المنوية، بحظره نهائيًا في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ورغم أن العيادة تؤكد أنها تواصلت مع المرأة “في أسرع وقت ممكن”، إلا أنها أخبرتها أنها تلقت الاتصال بعد عام ونصف من اكتشاف بنك الحيوانات المنوية الأوروبي للطفرة، وذلك بسبب نقل نظامها الحاسوبي وفقدان بيانات الاتصال الخاصة بها.

كشف تحقيق أجرته شبكة الصحافة الاستقصائية التابعة لاتحاد البث الأوروبي، بالتعاون مع DW وعدد من هيئات البث العامة الأوروبية الأخرى، أنه على مدى أكثر من 15 عاماً، تم بيع حيوانات منوية من المتبرع رقم 7069 لنساء في 14 دولة في أوروبا وخارجها، على أقل تقدير. ويُظهر التحقيق أن ما لا يقل عن 197 طفلاً قد حُمل بهم باستخدام حيوانات منوية من المتبرع رقم 7069. ومن المحتمل أن يكون العدد أكبر بكثير.

أُصيب بعض الأطفال المولودين عن طريق التبرع بالحيوانات المنوية بنوعين مختلفين من السرطان، بينما توفي آخرون، كما ذكرت إدويج كاسبر، عالمة الأحياء المتخصصة في الاستعداد الوراثي للسرطان، والتي تُقدم الاستشارات لبعض العائلات المتضررة.

قانونيًا، يلتزم بنك الحيوانات المنوية بإبلاغ جميع عيادات الخصوبة التي صدّر إليها الحيوانات المنوية بأي تشوهات جينية قد تظهر. وتقوم العيادات بدورها بإبلاغ العوائل. ومع ذلك، علمت DW وشركاؤها بأن العديد من العائلات لم تُبلغ باحتمالية حمل أطفالها لجينات معينة.

فحوصات ومراقبة مدى الحياة

قالت دورته كيلرمان، وهي أم عزباء تعيش في الدنمارك، إنها علمت بالقضية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 من أم استخدمت الحيوانات المنوية من نفس المتبرع. وأخبرت DW وشركاءها أنها لم تتلق أي اتصال من بنك الحيوانات المنوية أو عيادة الخصوبة التي تعاملت معها. وأضافت أنها على علم بعائلات أخرى – أمهات عازبات – استخدمن المتبرع نفسه، وتواصلن عبر مجموعة خاصة على فيسبوك. وقال المدير السابق للعيادة التي تعاملت معها كيلرمان إنه لا يستطيع التعليق على الحالات الفردية.

في الواقع، لم يتضح حجم المشكلة إلا بعد اجتماع خبراء السرطان الوراثي عام 2024.

استناداً إلى مخاوف تتعلق بالخصوصية، رفض بنك الحيوانات المنوية الأوروبي (ESB) حتى الآن الإفصاح عن العدد الدقيق للأطفال الذين وُلدوا باستخدام حيوانات منوية من المتبرع رقم 7069.

يجب على الأشخاص الذين يُكتشف أنهم يحملون الطفرة الجينية الخضوع لفحوصات دورية مدى الحياة. ونظراً لندرة الإصابة بالسرطان لدى الأطفال، قد تُغفل أو تُفسر بشكل خاطئ عندما لا يكون الأطباء على دراية بالطفرة.

علامات تحذيرية منذ عام 2020

يشبه موقع بنك الحيوانات المنوية الأوروبي (ESB) الإلكتروني مواقع المواعدة، حيث يتيح للعملاء المحتملين تصفح ملفات تعريف المتبرعين، والاستماع إلى مقابلات صوتية معهم، ومشاهدة صور من طفولتهم مقابل رسوم إضافية. يمكن للعملاء أن يدفعوا ما يقرب من 1000 يورو لإجراء اختبار جيني أكثر شمولاً من الاختبارات الروتينية التي يُطلب من الحيوانات المنوية الخضوع لها في الدنمارك.

عثرت DW وشركاؤها على الملف الشخصي للمتبرع رقم 7069 على الإنترنت، والذي نُشر لأول مرة عام 2007: “KJELD”، رجل أبيض طويل القامة ذو شعر بني فاتح وعينين بنيتين، وطالب ماجستير في الاقتصاد.

ووفق بنك الحيوانات المنوية الأوروبي، جاء أول تحذير عام 2020، عندما تلقى البنك إشعاراً بتشخيص طفل وُلد باستخدام حيوانات “KJELD” المنوية بأنه يحمل طفرة TP53. وُضعت حيواناته المنوية تحت الحجر الصحي لحين إجراء المزيد من الفحوصات الجينية. وجاءت النتائج سلبية. ​​وأُعيدت حيواناته المنوية إلى السوق. وفي عام 2023، أُبلغ البنك عن طفل آخر يحمل طفرة TP53. وكشفت جولة جديدة من الفحوصات أن الطفرة موجودة بالفعل في جزء من حيوانات المتبرع المنوية. وقد دفع هذا إلى فرض حظر دائم على حيواناته المنوية، وإجراء اتصالات هاتفية مع أولياء الأمور في جميع أنحاء أوروبا.

تجارة الخصوبة مربحة وتنمو بسرعة

برز بنك الحيوانات المنوية الأوروبي (ESB)، الذي يقع مقره الرئيسي في كوبنهاغن، كلاعب رئيسي في تجارة الخصوبة العالمية، حيث يدّعي تصدير الحيوانات المنوية إلى دول في جميع أنحاء أوروبا، وحتى إلى دول أخرى مثل أفغانستان وبوليفيا. في عام 2023، حقق بنك الحيوانات المنوية الأوروبي، المملوك لشركة الاستثمار الخاصة بيروين، أرباحاً تجاوزت 8 ملايين يورو، بزيادة ملحوظة عن أرباحه في العام السابق. يُعدّ هذا النشاط التجاري مربحاً وسريع النمو، مع ازدياد توفر الإجراءات الطبية، واختيار النساء تأجيل الإنجاب.

في ألمانيا، يحصل الرجال، الذين يتبرعون عادةً مرة واحدة أسبوعياً لمدة تتراوح بين ستة أشهر وثمانية عشر شهرًا، على 80 يورو عن كل تبرع، وفق ما صرّح به رئيس أحد بنوك الحيوانات المنوية لـ DW، تُغسل الحيوانات المنوية وتُحلل وتُعبأ في أنابيب وتُجمد في النيتروجين السائل. تباع كل عينة مقابل 1000 يورو. الحمل عملية مكلفة وقد تطول: على الرغم من أن بعض النساء يحتجن إلى محاولة أو اثنتين فقط، إلا أن الكثيرات قد يحتجن إلى 10 محاولات أو أكثر – وبعضهن لا ينجحن في الحمل على الإطلاق.

يخضع المتبرعون المحتملون لفحوصات طبية شاملة، ولا يتم قبول سوى نسبة ضئيلة منهم. ولا تشمل هذه العملية فحص الطفرات الجينية النادرة مثل TP53. ونظراً لاستثمار بنوك الحيوانات المنوية مبالغ طائلة في المتبرع، فإنها تسعى لتحقيق أقصى ربح ممكن من خلال بيع حيوانات منوية كل متبرع لعدة عائلات.

سياحة الخصوبة

وتُظهر الأبحاث التي أجرتها DW وشركاؤها أن عدد الأطفال الذين تم إنجابهم باستخدام حيوانات منوية المتبرع رقم 7069، والبالغ 197 طفلاً على الأقل، تجاوز بشكل واضح سياسات بنك الحيوانات المنوية الأوروبي المعلنة، فضلًا عن الحدود الوطنية في بعض الحالات. في بلجيكا وحدها، تم إنجاب 53 طفلاً باستخدام حيوانات منوية من متبرع واحد، على الرغم من القوانين الوطنية التي تحدد ست نساء كحد أقصى لكل متبرع. وقد دفع هذا السلطات البلجيكية إلى فتح تحقيقات.

رداً على هذه النتائج، أعلن بنك الحيوانات المنوية الأوروبي (ESB): “نشعر بتأثر بالغ إزاء هذه القضية وتأثير طفرة TP53 النادرة على عدد من العائلات والأطفال والمتبرع. ونعرب لهم عن خالص تعازينا”. وتابع البيان: “للأسف، تبين لنا أن عدد العائلات التي يمكن استخدام المتبرع فيها قد تم تجاوزه في بعض البلدان، سواء في حالة طفرة TP53 تحديداً أو في حالات أخرى. ويعود ذلك جزئياً إلى عدم كفاية التقارير من العيادات، وضعف الأنظمة، وسياحة الخصوبة“.

وفي مختبرها بوسط برلين، صُدمت آن-كاثرين كليم عندما سمعت عدد الأطفال الذين وُلدوا باستخدام حيوانات منوية من المتبرع رقم 7069. وقالت: “إنه عدد هائل”. ترأس كليم المختبر في بنك الحيوانات المنوية في برلين، وهو بنك صغير نسبياً مقارنةً بنك الحيوانات المنوية الأوروبي (ESB)، إذ يضم عشرة موظفين فقط. وقد اصطحبت كليم فريق DW في جولة داخل غرفة التخزين بالبنك، حيث توجد حاويات كبيرة الحجم مملوءة بالنيتروجين السائل الذي يُستخدم لتجميد الحيوانات المنوية. وعندما رفعت غطاء إحدى الحاويات لتُظهر الأنابيب الصغيرة التي تحتوي كل منها على حيوانات منوية مجمدة، انطلق غاز النيتروجين ذو اللون الرمادي المائل للبياض من الخزان.

قالت آن-كاثرين كليم إن بنكها حدد عدد المتبرعين بـ 15 عائلة، وطلب منهم التوقيع على إقرار بعدم بيعهم حيوانات منوية لبنك آخر.

يطالب الأشخاص الذين وُلدوا بحيوانات منوية متبرع بها، وآباؤهم، بوضع حد أقصى على مستوى أوروبا، بل وعلى مستوى العالم، لعدد الأطفال المولودين من متبرع واحد. وأبلغت جمعية “شبندركيندر” (Spenderkinder)، وهي جمعية للأطفال المولودين بحيوانات منوية متبرع بها في ألمانيا، DW أنها تدعو إلى وضع حد أقصى عالمي بست عائلات لكل متبرع، بالإضافة إلى إنشاء سجل عالمي للمتبرعين. ومن شأن ذلك أن يُسهّل العثور على العائلات والتواصل معها في الوقت المناسب في حال علم بنوك الحيوانات المنوية بوجود أمراض أو طفرات.

“أشعر بذنب كبير”

الأم الفرنسية التي تلقت الاتصال في يونيو/ حزيران الماضي، علمت لاحقاً أن ابنتها المراهقة ورثت الطفرة الجينية. وبعد مرور أشهر، لا تزال هي وابنتها تواجهان صعوبة في استيعاب ما يعنيه التشخيص: فحوصات دورية مدى الحياة وخوف دائم مما قد تكشفه تلك الفحوصات.

وقالت إنها لا تحمل “أي ضغينة على الإطلاق” تجاه المتبرع رقم 7069، الذي باع بنك الحيوانات المنوية الأوروبي حيواناته المنوية لعشرات العائلات في أنحاء القارة. وأضافت أنه لم يكن يعلم أنه حامل للطفرة: “لا ذنب له في ذلك”. لكنها قالت: “أشعر بذنب عظيم، لأني أعلم أنني، باختياري الإنجاب بهذه الطريقة، نقلت شيئاً قد يهدد الحياة”. وأضافت: “إنه لأمر في غاية الصعوبة”.

أعده للعربية: خالد سلامة

تحرير: عارف جابو


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى