
بالنظر إلى المؤتمرات الصحفية واللقاءات الرسمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنه من الصعب أن تجده يصدر تصريحات سلبية عن الحكام السلطويين في الشرق الأوسط.
فعلى سبيل المثال، وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه “رائع”، وأثنى عليه فيما يتعلق بحقوق الإنسان، رغم قمعه للمعارضة مع تخفيف بعض القيود الاجتماعية.
وقال ترامب “أنا فخور جدا بالعمل الذي قام به. ما فعله مذهل، سواء على صعيد حقوق الإنسان أو في كل شيء آخر”.
يأتي ذلك رغم أن السعودية هذا العام وحده أعدمت أكثر من 240 شخصا، غالبا دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، وفقًا لتقارير حقوقية.
أما بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان في تركيا، فقد وصف السفير الأمريكي لدى تركيا مؤخرا العلاقة التي تجمع ترامب بالرئيس التركي بأنها “صداقة حميمة”.
وخلال اجتماع قبل شهرين، قال ترامب عن أردوغان “إنه شخص قوي، لكنه صديقي. لا أعرف لماذا أحب الأشخاص الأقوياء أكثر من الضعفاء”.
وتقوم السلطات التركية بانتظام بتوقيف صحافيين ومحرري منشورات مستقلة أو قريبة من المعارضة، أو تعليق وسائلهم الإعلامية أو فرض غرامات باهظة عليها.
حكام الشرق الأوسط
ويأتي توجه ترامب على النقيض من الحكومات الأمريكية السابقة التي كانت تميل إلى ربط صفقات السلاح والمساعدات في الشرق الأوسط بحقوق الإنسان وتعزيز العملية الديمقراطية، أو على الأقل كانت تتظاهر بالالتزام بهذه المبادئ.
بيد أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية التي أعلنت عنها إدارة ترامب قبل أيام مثلت خروجا عن هذا العرف السياسي الأمريكي.
ففي نسخة عام 2022، التي أُعدت للرئيس السابق جو بايدن، جاء فيها أن الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ستقوم بـ”دعم وتعزيز الشراكات مع الدول التي تلتزم بالنظام الدولي القائم على القواعد”.
لكن ترامب مضى إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو لم يكتفِ بالإشادة بحكام سلطويين مثل قادة السعودية والمجر والصين والسلفادور، وإنما أيضا لم يُظهر حرصا يُذكر على كبح جماحهم، وبدلا من ذلك اتبع نهجا يركز على تبادل المنفعة، بحسب رويترز.
أما استراتيجية ترامب للأمن القومي، فلم تذكر حقوق الإنسان، بل أشارت إلى “النظام الدولي القائم على القواعد” مرة واحدة فقط.
وبخصوص الشرق الأوسط، قالت إنه يتعين على الولايات المتحدة التوقف عن “توبيخ هذه الدول، خاصة الملكيات الخليجية، لحملها على التخلي عن تقاليدها وأشكال حكمها التاريخية”.
في غضون ذلك، يوجه ترامب اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان لحكومات تختلف أيديولوجيا مع إدارته، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، مما يثير القلق حيال استهدافه ملفات حقوق الإنسان بشكل انتقائي.
وفي وثيقة الأمن القومي الجديدة، لا تحظى “أشكال الحكم” الأوروبية بنفس التسامح.
ويبدو أن إدارة ترامب تنوي التوقف عن “توبيخ” حكومات الشرق الأوسط، لكنها في الوقت نفسه تسعى لانتقاد أوروبا في إطار ما وصفه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الأسبوع الماضي بأنه “حرب ثقافية” عبر دعم أحزاب اليمين المناهضة للاتحاد الأوروبي.
لماذا يفضل ترامب الحكام العرب على قادة أوروبا؟
قال كريستيان كوتس أولريخسن، زميل شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس، إن “أسلوب ترامب الشخصي في اتخاذ القرارات وميوله السلطوية يجعله أقرب بكثير إلى أن يكون ‘رجلا قويا’ مقارنة بالقادة الذين جاءوا إلى السلطة عبر الانتخابات الديمقراطية”.
وفي مقابلة مع DW، أضاف أنه “ربما ينبع انجذاب ترامب إلى قادة الشرق الأوسط خاصة الخليج، من تقديره لبعض أوجه التشابه في أسلوبهم في صنع السياسات وكذلك الأساس القائم على المعاملات في العلاقات التي يبنونها”.
وأضاف أن “قادة الخليج ربما يمتلكون خصوصية الابتعاد عن معسكرات الخصوم أو الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، مما يضعهم في منطقة آمنة كحلفاء”.
وقدمت قطر لترامب طائرة بقيمة 400 مليون دولار في وقت سابق من هذا العام، بينما قدمت الإمارات والسعودية وعودًا سخية لضخ استثمارات ضخمة في الاقتصاد الأمريكي.
ترامب وفكرة أن يكون ملكا
ويقول أولريخسن إن قصة ولع ترامب بحكام الخليج أو الشرق الأوسط بشكل عام ربما ترتكن إلى أن ترامب يدرك غياب القيود على العمل السياسي الذي يتمتع به قادة المنطقة.
وأضاف أن “هذا الأمر ما يسعى ترامب نفسه لتحقيقه خاصة في ولايته الثانية في المنصب”.
وفي فبراير/ شباط الماضي، وفي خطوة مثيرة للجدل، نشر ترامب مقطعا مصورا جرى إنشاؤه عن طريق الذكاء الاصطناعي يُصوّره في هيئة ملك، في تحدٍ صارخ للاحتجاجات التي نظمتها حركة “لا للملوك” رفضا لسياساته.
وتدعم ورقة بحثية نُشرت حديثًا في مجلة International Organization، كتبها ستايسي جودارد، البروفيسور في كلية ويلسلي في ماساتشوستس، وأبراهام نيومان، البروفيسور في جامعة جورجتاون بواشنطن، هذا الرأي.
وترى أن انجذاب ترامب إلى “أصحاب الأيدي الحديدية” في الشرق الأوسط جزء من نظام ناشئ يسمى “الملكية الجديدة”.
ويعرّف جودارد ونيومان “الملكية الجديدة” بأنها “نظام دولي منظم من قبل مجموعة صغيرة من النخب النافذة التي تستخدم الروابط الاقتصادية والعسكرية الحديثة لتحقيق مصالحها الخاصة، سواء كانت مصالح مادية أو رمزية”.
وكتب الباحثان أن “رؤية ترامب للسيادة المطلقة واعتماده على مجموعة من أفراد عائلته وشخصيات مقربة منه ونخب رأسمالية متطرفة.. كل هذا لا يوجه السياسة الخارجية الأمريكية فحسب، بل يوجه أيضا طريقته في إدارة ملف العلاقات الدولية. وتماشيا مع النزعة الملكية الجديدة، ينظر ترامب إلى بعض القادة على أنهم يمتلكون ما يشبه السيادة الملكية، وقد أولى الأولوية للعلاقات معهم.”
وفي مقابلة مع DW، قال نيومان إن الأمر “لا يتعلق بالضرورة بالشخصيات بل بالجاذبية صوب نموذج الحكم”، مشيرا إلى أن ما يحدث الآن هو “تحول جذري للنظام الدولي، يحدث مرة واحدة في الجيل”.
لغز “المَلكية الجديدة”؟
وتشير الورقة البحثية إلى أن دولا أخرى قد اتجهت أيضا صوب أنظمة الحكم التي تهيمن عليها النخب، بما في ذلك تركيا والهند والمجر والصين وروسيا.
لكن مع تبني الولايات المتحدة، في حقبة ترامب بقوتها الاقتصادية والعسكرية، هذا المسار، فإن هذه الفكرة تزداد انتشارا ما قد يجبر قادة آخرون بمن فيهم الأوروبيون، على اتباع النهج نفسه.
وقال نيومان إننا “أوضحنا تماما في هذه الورقة ان هذا نظام [الملكية الجديدة] لم يترسخ بعد”.
وأشار إلى أنه من أجل ترسخ هذا النظام بشكل كامل، يجب أن يتم تقويض النظام الليبرالي القائم على القواعد، مضيفا “يمثل هذا جزءً من سبب تعرض الاتحاد الأوروبي – الذي يُنظر إليه على أنه الممثل الرئيسي لهذا النظام – للهجوم، وجزء من سبب تفضيل ترامب لأنظمة الحكم الملكية في الخليج.”
وأضاف ان الشرعية تستمد في “منظومة الملكية الجديدة من الاستثناء. ولهذا السبب أنت الحاكم المطلق. إذن من الذي تريد أن يكسب موافقته؟ هذا سؤال.. والإجابة هي موافقة الحكام ذو السلطة المطلقة.. والشرق الأوسط هو المكان المثالي لذلك.”
وقال إنه من “المهم إذا كنت ستروج لهذا البديل [الملكية الجديدة]، فعليك أن تجعل هذا السلوك طبيعيا وأن تضفي عليه الشرعية.. هؤلاء الفاعلون مثل أردوغان أو آل سعود أو الإمارات أو قطر ، يمكنهم إنشاء هذه الشرعية. إنهم يمنحون ترامب طريقة ليقول أن ما يقوم به “طبيعي”.
أعده للعربية: محمد فرحان
تحرير: عبده جميل المخلافي
Source link



