أخبار العالم

لماذا تتراجع هجرة العمال عالميًا رغم عطش الاقتصاد للمهارات؟ – DW – 2025/12/25

تتزايد في أوروبا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، معاداة الهجرة والمهاجرين. وفي الوقت نفسه، تحاول بشدة اقتصادات العالم الغنية استقطاب العمال الأجانب. ومع ذلك، يظهر تقرير، صدر الشهر الماضي عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ولم يحظ باهتمام يذكر، أنَّ الهجرة العمالية تتراجع عالميًا، على الرغم من أنَّ المجتمعات التي يزداد فيها عدد كبار السن تواجه نقصًا متزايدًا في القوى العاملة.

وهذا الاتجاه بدأ قبل فترة طويلة من إعادة انتخاب دونالد ترامب، الذي خاض بهجماته على المهاجرين حملة انتخابية ناجحة. وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تراقب السياسات الاقتصادية والاجتماعية العالمية، انخفضت الهجرة العمالية في دولها الأعضاء، البالغ عددها 38 دولة، بنسبة تزيد عن الخمس في عام 2024. وهذا التراجع لا يعود سببه إلى الطلب بقدر ما يعود إلى الرفض السياسي المتزايد للهجرة وكذلك تشديد شروط منح تأشيرات السفر في بعض الدول الصناعية. ومع ذلك فقد زادت على أية حال هجرة العمالة المؤقتة.

تراجع سببه دول قليلة

“يعود الجزء الأكبر من تراجع الهجرة العمالية الدائمة إلى التغييرات السياسية في المملكة المتحدة ونيوزيلندا”، كما قالت لـDW آنا داماس دي ماتوس، كبيرة محللي السياسات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

 

في نيوزيلندا، ارتبط هذا التراجع بنهاية برنامج إقامة فريد من نوعه بدأ بعد جائحة كورونا وسمح لأكثر من 200 ألف مهاجر مؤقت وأفراد أسرهم بالاستقرار بشكل دائم. وفي تموز/يوليو 2022، انتهى العمل ببرنامج الإقامة هذا الأكبر والفريد من نوعه في نيوزيلندا. أما المملكة المتحدة فقد قامت بعد البريكست (انسحابها من الاتحاد الأوروبي) بإصلاح شروط التأشيرات للعاملين في مجال الرعاية الصحية والتمريض، وشددت معايير القبول بالنسبة لأصحاب العمل واستبعدت أفراد الأسرة، مما أدى إلى تراجع كبير في طلبات الحصول على تأشيرة سفر.

ومن وجهة نظر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإنَّ قطاع الرعاية الصحية يعاني بشكل خاص من نقص العمالة بسبب مثل هذه القيود. ولهذا السبب ترى سيتا شارما أنَّ الشروط المشددة المفروضة على الطلاب الدوليين في المملكة المتحدة لها نتائج عكسية. وشارما خبيرة في شؤون الهجرة وعملت مستشارة لصالح الأمم المتحدة والحكومة الاتحادية الهندية وحكومات الولايات. وفي حوار مع DW قالت إنَّ “الطريق من الدراسة إلى العمل أصبح مقيدًا الآن. وهذا يؤدي إلى تراجع طلبات التسجيل في الجامعات. وعلى سبيل المثال، لن ينفق الهنود مبالغ طائلة على التعليم في الخارج إذا لم تكن لديهم بعد ذلك آفاق مستقبلية واضحة”.

ويظهر تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنَّ الهند كانت أكبر دولة مصدرة للعمالة المهاجرة إلى الدول الأعضاء، حيث بلغ عدد مهاجريها العام الماضي 600 ألف مهاجر، تليها الصين ورومانيا.

قطاع التكنولوجيا يعاني من القيود الأمريكية

وفي الولايات المتحدة الأمريكية تم فرض قيود قصوى مشددة على تأشيرات المهن المتخصصة “H-1B” في عهد بايدن. وهذه التأشيرات تتعلق بأهم برنامج يتيح للعمال الأجانب في مجالات مثل التكنولوجيا والهندسة والطب العمل مؤقتًا في أمريكا. والآن زاد ترامب تكاليف التأشيرة لأصحاب العمل من 2000 حتى 5000 دولار إلى 100 ألف دولار. وهو يريد الحد من فرص الإقامة الدائمة في جميع المجالات.

الولايات المتحدة الأمريكية، 2023 - بطاقات الإقامة الدائمة (الغرين كارد) من قرعة البطاقة الخضراء فوق العلم الأمريكي
تم تقييد الحصول على الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس بايدن، وخليفته ترامب زاد هذه القيود أكثرصورة من: Mehaniq/Panthermedia/IMAGO

وفي أستراليا زادت حدود الرواتب للحصول على تأشيرات العمالة الماهرة، وفي كندا تم تعديل إجراءات توظيف العمالة المؤقتة. وحتى وفي دول الشمال الأوروبي (الإسكندنافية) انخفضت الهجرة المرتبطة بالعمل انخفاضًا ملحوظًا، وسجلت فنلندا وحدها تراجعًا بنسبة 36 بالمائة عن العام السابق.

وفي ألمانيا انخفضت الهجرة الدائمة بنسبة 12 بالمائة العام الماضي بسبب تشديد قوانين الهجرة في عهد المستشار السابق أولاف شولتس. وبذلك دخل إلى ألمانيا 586 ألف عامل أجنبي. وكان عدد الأشخاص القادمين بتأشيرة عمل أقل بنسبة 32 بالمائة عن العام السابق. وهذه الإصلاحات القانونية تم توسيع نطاقها من قبل الحكومة الحالية برئاسة المستشار فريدريش ميرتس.

ويرى هربرت بروكر، أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة هومبولت ببرلين، أنَّ هذا يخلق مشاكل للاقتصاد الألماني. وحول ذلك قال بروكر لـDW: “استفادت ألمانيا لسنوات عديدة من متوسط هجرة بلغ 550 ألف شخص كل عام. نحن بحاجة إلى الهجرة من أجل تعويض العمال الذين يخرجون من العمل. ومن دونها لا يمكننا الحفاظ على الاستقرار في عرض القوى العاملة”.

طلب قوي على المهاجرين في أوروبا

وفي الاتحاد الأوروبي شغل، بحسب صندوق النقد الدولي، مواطنون من خارج دول الاتحاد نحو ثلثي الوظائف التي نشأت بين عامي 2019 و2023. وهنا يظهر مدى اعتماد أوروبا الآن على العمال المهاجرين. وبحسب تقديرات منظمة العمل الدولية بلغ عدد العمال المهاجرين في عام 2022، في جميع أنحاء العالم، 167.7 مليون عامل. وهذا يمثّل 4.7 بالمائة من إجمالي القوى العاملة في العالم. وأكثر من ثلثيهم (114.7 مليون) يعيشون في دول ذات دخل مرتفع.

بريطانيا، لندن، 2017 - السفارة الأمريكية وقسم التأشيرة في لندن
شددت العديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية معايير تأشيرات العمل بالنسبة للأجانبصورة من: Jens Kalaene/dpa/picture alliance

وعلى الرغم من التراجع في عام 2024، ما تزال الهجرة العمالية العالمية أعلى من مستوياتها قبل الجائحة. ومع ذلك يظهر تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كيف يمكن إبطاء هذه الهجرة فجأة. ويكمن السبب في مقاومة سياسية تغذيها مخاوف من الهجرة غير الشرعية أكثر من الطلب الاقتصادي، الذي ما يزال مرتفعًا عند مستوى قياسي. وقد زادت أجندة ترامب الحالية من حدة هذا الوضع. ومنذ توليه منصبه في كانون الثاني/يناير، أصدر ترامب العديد من المراسيم التي تهدف إلى الحد من الهجرة الشرعية وغير شرعية على حد سواء. وإدارته تبرّر هذه الإجراءات بأنَّها ضرورية لحماية العمال الأمريكيين وضمان نظام يقوم فقط على المهارات.

تأشيرات مؤقتة بدل تصاريح الإقامة الدائمة

وعلى الرغم من أنَّ عدد المهاجرين الدائمين انخفض في عام 2024، لكن الهجرة العمالية المؤقتة أو الموسمية ظلت مستقرة، بحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وهنا يظهر تفضيل الحكومات للبرامج قصيرة الأجل، التي يمكن توسيعها أو تقييدها بحسب رغبتها. “والرغبة هي: دعونا نجلب الناس عندما نحتاج إليهم، ونغلق الأبواب عندما لا نحتاج إليهم – وجميع الآخرين لا نريدهم في بلدنا بشكل دائم”، كما تشكو خبيرة الهجرة شارما.

ولا تزال برامج العمل الموسمية المؤقتة مطلوبة في أستراليا وأوروبا وأمريكا الشمالية من أجل زيادة القوى العاملة زيادة مؤقتة في مجالات الزراعة والرعاية والبناء. ولكن حتى بالنسبة للفنيين وغيرهم من العمال ذوي المؤهلات العالية تستخدم وبشكل متزايد برامج الهجرة المؤقتة، بحسب استنتاجات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ألمانيا، هومبورغ، 2024 - ممرضة هندية في مستشفى جامعي ألماني
ممرضة هندية في مستشفى جامعي ألمانيصورة من: Oliver Dietze/dpa/picture alliance

البيروقراطية تضع المهاجرين بوظائف أقل من مستواهم

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا تدعو الدول الصناعية إلى جذب المزيد من العمال المهاجرين فقط، بل تدعوها أيضًا إلى التركيز على دمجهم بشكل أفضل في سوق العمل. وذكرت المنظمة أنَّ دورات اللغة والحصول على الخدمات الاجتماعية شرطان أساسيان من أجل ذلك، بالإضافة إلى الاعتراف بالمهارات والمؤهلات لتمكين العمال الأجانب من الاندماج الكامل في بلدانهم المضيفة. وغالبًا ما يتم توظيفهم في وظائف أقل بكثير من مستواهم التعليمي.

وهذا يعود في المقام الأول إلى بطء إجراءات الموافقة البيروقراطية، كما لاحظ البروفيسور بروكر، الذي يعمل أيضًا رئيسا لأبحاث الهجرة في المعهد الألماني لأبحاث سوق العمل والتوظيف (IAB). وأضاف بروكر أنَّ الإصلاحات التي كان يفترض أن تجعل أكبر اقتصاد في أوروبا أكثر جاذبية فشلت بسبب البيروقراطية المفرطة. وحول ذلك قال لـDW إنَّ “الاعتراف بالشهادات والتكوين المهني يستغرق سنين، مما يجعل القدوم إلى هنا صعبًا بالنسبة للعمال المهرة. ونتيجة لذلك، لدينا نقص في العمالة يبلغ حاليًا نحو ثلاثة ملايين عامل”.

والسياسيون مطالبون بالإضافة إلى ذلك بوضع طرق أوضح تمكن العمال المهاجرين المؤقتين من الحصول على إقامة دائمة، حتى يمكن استغلال مهاراتهم بشكل تام والحد من نقص العمالة. وبينما يتحدث ترامب غالبًا بشكل إيجابي حول ضرورة الهجرة القائمة على المؤهلات، اتسم عامه الأول في البيت الأبيض بجهود تدمير هذه المسارات. وبذلك زادت الفجوة بين الضرورة الاقتصادية والإرادة السياسية.

كما أنَّ الخطاب الغاضب في كثير من الأحيان لدى ترامب وغيره من السياسيين اليمينيين حول موضوع الهجرة أثار “موجات صدمة” دولية، وأثر في التصورات داخل الهند وخارجها، كما تلاحظ شارما. وتقول إنَّ “ردود الفعل من بلد غير ودود، من الصعب فيه العثور على عمل، تلعب دورًا رئيسيًا في حركات الهجرة”. وبالإضافة إلى ذلك من الممكن أن يؤدي فرض المزيد من القيود على هجرة العمالة في الولايات المتحدة إلى زيادة الهجرة غير الشرعية.

أعده للعربية: رائد الباش/ تحرير: صلاح شرارة


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى