
في تحليل سياسي حاد اللهجة، كشف ياسر عرمان عن تفاصيل اجتماع سري عقدته قيادات الحركة الإسلامية في السودان بقيادة علي كرتي، قبل يومين فقط من سقوط مدينة الفاشر، بهدف الدفع باتجاه إعلان التعبئة العامة، في خطوة وصفها بأنها محاولة لإعادة تموضع الحركة داخل المشهد العسكري والسياسي، وسط تصاعد الضغوط الدولية الداعية لوقف الحرب واستبعاد الإسلاميين من العملية السياسية.
اجتماع طارئ
بحسب ما أورده عرمان، فإن أجهزة الحركة الإسلامية، بشقيها السياسي والعسكري، عقدت اجتماعاً عاجلاً لتقييم التطورات الميدانية في شمال كردفان ومدينة بارا، إلى جانب التقدم الميداني السريع لقوات الدعم السريع باتجاه الفاشر. الاجتماع، الذي ترأسه الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي، ناقش ما اعتبره المجتمعون تهديداً وجودياً لمستقبل الحركة، وخلص إلى أن التعبئة العامة تمثل الخيار الوحيد لإعادة تمكين الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية، وإجهاض ما وصفوه بالمشاريع الداخلية والخارجية الرامية إلى تفكيك الدولة واستبعادهم من المشهد.
دوافع سياسية
أوضح عرمان أن الاجتماع أبدى قلقاً بالغاً من دعوة الرباعية الدولية لفك الارتباط بين الجيش والحركة الإسلامية، معتبراً أن الاستجابة المحتملة من قيادة الجيش لهذا المطلب قد تؤدي إلى إضعاف الطرفين معاً. كما رأى المجتمعون أن أي وقف لإطلاق النار دون ضمان مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية سيقوّض ما حققته الحركة من مكاسب خلال الحرب، ويفتح الباب أمام عودة القوى المدنية التي أطاحت بها ثورة ديسمبر إلى واجهة الأحداث.
قراءة عسكرية
من الناحية العسكرية، اعتبر الاجتماع أن ما جرى في بارا وشمال كردفان، إلى جانب السيطرة الوشيكة على الفاشر، يمثل مؤشراً خطيراً على إمكانية تدخل قوى خارجية للهيمنة على السودان. ووفقاً لما نقله عرمان، فإن المجتمعين رأوا أن اجتماعات واشنطن الأخيرة تعزز مناخاً دولياً ضاغطاً لوقف الحرب، ما يستدعي التصدي له عبر تعبئة شاملة تعيد ترتيب أوراق الحركة الإسلامية داخل الجيش، وتمنع أي اختراق خارجي للمؤسسة العسكرية.
استراتيجية التعبئة
أبرز ما خرج به الاجتماع، بحسب عرمان، هو أن التعبئة العامة ليست مجرد إجراء عسكري، بل أداة سياسية تهدف إلى عزل العناصر المتحالفة مع الخارج داخل الجيش، وإعادة فرض الأجندة التي تقودها الحركة الإسلامية. كما اعتبر المجتمعون أن التعبئة ستغلق الباب أمام الأصوات الداعية لوقف الحرب، وتمنح الإسلاميين فرصة لإعادة التموضع في مفاصل الدولة. ودعا الاجتماع قواعد الحركة إلى النهوض بمسؤولية التعبئة، باعتبارها معركة مصيرية لا تحتمل التردد أو التراجع.
قراءة نقدية
في تعليقه على الاجتماع، اعتبر عرمان أن خطة الحركة الإسلامية لا تهدف إلى الدفاع عن السودان أو الجيش، بل تمثل امتداداً لمحاولاتها السابقة للالتفاف على ثورة ديسمبر، بدءاً من انقلاب 25 أكتوبر، الذي فشل في تحقيق أهدافه بفعل المقاومة الجماهيرية. ويرى أن الحركة الإسلامية، بعد أن فشلت في السيطرة عبر الانقلاب، لجأت إلى الحرب كوسيلة بديلة، وتعمل الآن على صب مزيد من الزيت على نار النزاع بالدعوة إلى التعبئة العامة، مستعيدة تكتيكات قديمة استخدمتها في أعقاب انتفاضة أبريل 1985، حين ارتدى علي عثمان الزي العسكري في محاولة لشرعنة وجودهم داخل الجيش.
خطر وجودي
يحذر عرمان من أن الحرب الحالية تمثل التهديد الأخطر في تاريخ السودان الحديث، ليس فقط بسبب حجم الدمار، بل لأنها تهدد وجود الدولة نفسها بالزوال أو الانقسام. ويؤكد أن هذه الحرب تحمل في طياتها كل تناقضات بناء الدولة السودانية، من غياب المشروع الوطني إلى التدخلات الخارجية المرتبطة بنهب الموارد والصراع الجيوسياسي على موقع السودان الاستراتيجي. ويدعو إلى حوار وطني عاجل لوقف الحرب قبل فوات الأوان، محذراً من أن استمرارها سيقضي على ما تبقى من النسيج الاجتماعي، ويمحو السودان من خارطة الجغرافيا السياسية.
دعوة للمقاومة
يختتم عرمان مقاله بدعوة صريحة إلى أبناء وبنات السودان لمقاومة الحرب وخطاب الكراهية، ورفض التعبئة العامة التي وصفها بأنها مخادعة ولا تخدم أي منطقة أو مكون في البلاد. ويحث على التوحد في منبر وطني صلب، يواجه آلة الحرب ويكشف جرائمها بلا هوادة، مؤكداً أن التشرذم والانقسام سيقودان إلى الهزيمة، بينما الوحدة هي السبيل الوحيد لإنقاذ السودان من مصير مظلم يتشكل في الأفق.
Source link
 
				

