
تستهدف جمهورية إيران الإسلامية الحريات الاجتماعية بمشروع قانون جديد. يحمل المشروع عنوان “خطة لمكافحة تسلل أجهزة المخابرات والحكومات أو المؤسسات الأجنبية إلى البلاد”. وحسب وزير الإعلام إسماعيل خطيب فإن الهدف منه هو “مساعدة أجهزة المخابرات والأمن ودعمها”. ويتألف القانون من 19 مادة ويتم حاليا دراسته من قبل لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني.
وينص القانون على عقوبات شديدة على “الأنشطة والتعاون” مع ما يسمى “الأجهزة الأجنبية”. ويشمل ذلك من بين أمور أخرى التعاون مع المؤسسات الأجنبية وإجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الدولية أو قبول المنح الدراسية الأكاديمية. وتتراوح العقوبات بين الغرامات المالية ومصادرة الأموال ومنع ممارسة المهنة والسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر و30 عاما.
يقول الصحفي الإيراني مهدي نخل أحمدي في حوار مع DW إن تنفيذ الخطة سيصنف أي شكل من أشكال التواصل مع الخارج على أنه “خطر أمني” محتمل. ويحذر من أن “النتيجة ستكون زيادة في الاعتقالات غير المتوقعة وظهور خوف هيكلي بين الطلاب والأساتذة والباحثين والصحفيين”. ويؤدي هذا الخوف إلى الرقابة الذاتية والانسحاب الفكري وتجنب أي اتصالات علمية أو إعلامية دولية.
الجامعات والمجتمع المدني تحت الضغط
وحسب صحفي يعيش في إيطاليا، فإن الجامعات في إيران مهددة بفقدان دورها كمكان لإنتاج الأفكار الحرة. فبدلا من أن تكون مساحة للتفكير النقدي أصبحت “مكانا هادئا ومحميا”، بينما ينسحب المجتمع المدني خوفا من الوصم. والنتيجة: العزلة وانخفاض جودة التعليم والبحث العلمي واتساع الفجوة بين إيران والعالم.
كما يحذر بارفيز ياري، الصحفي والباحث الرئيسي في منظمة “الدفاع عن حرية تدفق المعلومات في إيران” من العواقب. ففي مقابلة مع DW وصف الخطة بأنها “استمرار لسياسة قمع حرية التعبير في إيران”.
وأضاف: “تستخدم ايران وسائل وأساليب متنوعة لقمع حرية المعلومات وتقييد حرية التعبير. لكن تطور شبكات التواصل الاجتماعي وأنشطة وسائل الإعلام ومؤسسات حقوق الإنسان خارج إيران أدى إلى تراجع تأثير الروايات الرسمية على الرأي العام”.
المنح الدراسية والتعاون الدولي في مرمى الاستهداف
تقيد المادة 5 من الخطة التعاون العلمي مع المؤسسات الأجنبية بشكل كبير. ومن المقرر أن تضع وزارة الاستخبارات (وزارة المخابرات والأمن الوطني الإيرانية) قائمة بالجامعات والمنظمات المسموح بها. ويُعاقب التعاون مع المؤسسات غير المدرجة في القائمة مثل المنح الدراسية أو المشاريع البحثية المشتركة بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين.
ويرى مهدي نخل أحمدي في ذلك استراتيجية أيديولوجية: “لا يكمن الخطر الرئيسي بالنسبة للحكومة في التعليم، بل في تحرير العقل. الدراسة في الخارج تحرر الفرد من دائرة الروايات الرسمية وتفتح له الباب أمام شبكات علمية وإعلامية مستقلة”. هذا الابتعاد الفكري يمثل أكبر تهديد للنظام. فهو يخشى “جيلا يتعلم طرح الأسئلة والبحث عن إجابات خارج الهياكل الأيديولوجية للنظام”، كما يقول أحمدي.
وحسب الصحفي والناشط الحقوقي الإيراني، فإن الدراسة في الخارج باعتبارها أهم مسار هجرة للكوادر المؤهلة تشكل تهديدا مزدوجا أيديولوجيا وديموغرافيا. “لذلك لا تعتبر ايران أي صلة علمية مستقلة بالعالم فرصة، بل خطرا محتملا وتحاول إبقاء حدود المعرفة مغلقة وخاضعة للرقابة”.
الخوف من وسائل الإعلام الأجنبية
تنص المادة 6 من مشروع القانون على أن أي مقابلة مع وسائل إعلام تمولها الولايات المتحدة أو إسرائيل يمكن أن يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى ست سنوات.
وتحظر المادة 7 نقل المعلومات مثل الصور أو مقاطع الفيديو إلى وسائل الإعلام غير الإيرانية أو إلى أشخاص يعملون في مجال الصحافة خارج البلاد. وتعاقب المخالفات بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وقد تزيد المدة في حالة عدم الاستقرار السياسي.
ويصف بارفيز ياري الوضع على النحو التالي: “إن تجريم الحالات الجديدة لأنشطة الصحفيين والمواطنين والباحثين هو محاولة من ناحية لتقييد وصول وسائل الإعلام المستقلة والمؤسسات الدولية إلى المصادر المباشرة، ومن ناحية أخرى محاولة لزيادة فعالية آلة الدعاية في الجمهورية الإسلامية”.
ويحذر قائلا: “إذا تمت الموافقة على الخطة فإنها ستجرم الاتصالات مع وسائل الإعلام المعارضة والمؤسسات الدولية على نطاق غير مسبوق. والهدف من ذلك هو عرقلة عمل الصحفيين والباحثين وتعزيز احتكار النظام للمعلومات”.
سياسة التخويف عوض حل الأزمات
تجربة الحرب التي دامت اثني عشر يوما بين إسرائيل وإيران والتي كشفت عن نقاط الضعف الأمنية للنظام دفعت الجمهورية الإسلامية إلى العودة إلى القمع وزيادة الضغط على السكان.
ويصف الصحفي والناشط الحقوقي الإيراني مهدي نخل أحمدي الخلفية: “لسنوات طويلة كان لدى الجمهورية الإسلامية نظام خاضع للرقابة كان يتسامح حتى مع الأصوات الانتقادية الضعيفة. لكن بعد الانتكاسات الأمنية والعسكرية الأخيرة وصل النظام إلى أدنى مستوى من الثقة بالنفس ولم يعد يتسامح مع أي أصوات مخالفة”.
وهو يرى في ذلك منطقا ديكتاتوريا نموذجيا: “إما معي أو ضدي. يتم التعامل مع النقد والمعارضة على أنهما متساويان. حتى أصغر الحركات المستقلة تعتبر تهديداً”.
رد فعل عصبي من نظام غير مستقر
نخل أحمدي مقتنع بأن عجز الحكومة المزمن عن التعرف على العوامل المؤثرة الفعلية، لا سيما “في أعلى دوائر الأمن والقيادة” أو مكافحتها يدفعها إلى اتخاذ تدابير صارمة: “الخطط المثيرة للجدل واعتقال الباحثين العزل أو اتخاذ إجراءات ضد المؤسسات المستقلة مثل الأكاديمية الإيرانية ليست وسائل لكبح النفوذ، بل هي رد فعل عصبي من هيكل غير مستقر على انهيار صورة سلطته”.
ويؤكد محللون أن الجمهورية الإسلامية تتناقض دائما في أوقات الأزمات: فبدلا من إصلاح الهياكل فإنها تشدد الإجراءات الأمنية للحفاظ على سلطتها. لكن المنتقدون يحذرون من أن التاريخ يثبت أن زيادة استخدام الوسائل القمعية لا يحل أزمة الشرعية. بل على العكس فإنه يعمق دوامة عدم الثقة وعدم الكفاءة والتوترات الاجتماعية وهي دوامة قد تؤدي في النهاية إلى تسريع انهيار النظام.
أعده للعربية: م.أ.م
Source link



