
وسط موقع جغرافي استراتيجي يربطها مباشرة بالضفة الأوروبية، وتحديات أمنية وسياسية متفاقمة، باتت ليبيا نقطة انطلاق رئيسية لحركة المهاجرين غير النظاميين نحو العالم، وخصوصًا نحو أوروبا. هذا التحول الجغرافي والديموغرافي جعل البلاد بمثابة مرفأ مفتوح لعبور عشرات الآلاف من المهاجرين، في ظل غياب منظومة رقابية فعالة، وتزايد الضغوط الداخلية والخارجية بشأن إدارة هذا الملف. ومع امتداد حدودها البرية والبحرية مع عدد من الدول، أصبحت ليبيا مركزًا متشابكًا للهجرة غير النظامية، ما يضعها في قلب أزمة إنسانية وسياسية متصاعدة.
أرقام متصاعدة
بحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة، بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى ليبيا منذ بداية العام الجاري نحو 450 ألف شخص، في حين تشير تقديرات رسمية إلى وجود أكثر من مليوني مهاجر مقيم داخل البلاد، 80% منهم دخلوا بطرق غير قانونية وفقًا لتصريحات وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي. هذه الأرقام تعكس حجم الضغط الذي تواجهه ليبيا، سواء على المستوى الأمني أو الاجتماعي، وتسلط الضوء على التحديات التي تواجهها السلطات في ضبط الحدود ومراقبة حركة الوافدين، في وقت تتزايد فيه المطالب الأوروبية بإيجاد حلول عاجلة للحد من تدفق المهاجرين عبر الأراضي الليبية.
احتجاجات شعبية
في الأسابيع الأخيرة، شهدت عدة مدن ليبية، من بينها طرابلس ومصراتة، موجة من الاحتجاجات الشعبية الرافضة لوجود المهاجرين غير النظاميين، حيث ارتفعت شعارات تطالب بالترحيل الفوري، ورفض ما وصفه المحتجون بمخططات التوطين. هذه التحركات ترافقت مع تصاعد خطاب الكراهية والتحريض ضد الوافدين، ما أثار مخاوف حقوقية من تداعيات اجتماعية وإنسانية خطيرة. الحراك الشعبي في مصراتة، الذي قاد هذه المظاهرات، أكد في بيان إعلامي أن مطالبه لا تهدف إلى التحريض، بل إلى تطبيق القوانين الليبية التي تجرّم التوطين غير القانوني، وصون سيادة الدولة وكرامة مواطنيها، داعيًا إلى إبعاد كل من دخل البلاد خارج الأطر القانونية.
غياب رسمي
في محاولة لفهم الموقف الرسمي من هذه التطورات، سعت وسائل إعلام محلية إلى التواصل مع حكومة الوحدة الوطنية ومدير إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية، إلى جانب الجهات الحكومية في شرق ليبيا، بما في ذلك وزارة الخارجية ووزارة شؤون الهجرة. إلا أن جميع محاولات التواصل قوبلت بالصمت، ولم تصدر أي تصريحات رسمية توضح موقف الدولة من الاحتجاجات أو من ملف الهجرة غير النظامية. هذا الغياب الرسمي يعكس حالة من التردد أو الانقسام في إدارة الملف، ويزيد من تعقيد الأزمة في ظل تصاعد الغضب الشعبي وتزايد الضغوط الدولية.
معاناة مهاجرين
في خضم هذه الأزمة، تتكشف يوميًا قصص مأساوية لمهاجرين غير نظاميين يعيشون ظروفًا قاسية داخل ليبيا. صابر الخطيب، مهاجر سوري الجنسية، روى تجربته الشخصية في حديثه لوسائل إعلام محلية، قائلاً إنه وصل إلى ليبيا في أغسطس 2023 بهدف العبور إلى أوروبا، لكنه واجه صورًا من العنف والإهانة والضرب، حتى بلغ به اليأس حدًّا جعله يرى في الموت خلاصًا. هذه الشهادة تعكس واقعًا مريرًا يعيشه آلاف المهاجرين في ليبيا، حيث تتداخل المعاناة الإنسانية مع غياب الحماية القانونية، وسط بيئة أمنية مضطربة ومجتمع يزداد رفضًا لوجودهم.
		  	
	
Source link
 
				

