
في قراءة سياسية وعسكرية متقدمة، اعتبر محمد الناير، الناطق باسم حركة وجيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، أن سيطرة قوات الدعم السريع على مدينتي الفاشر وبارا تمثل نقطة تحول استراتيجية في مسار الحرب، تنقل الصراع إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، وتعيد ترتيب أولويات العمليات العسكرية في السودان.
تحول ميداني
في تصريح لقناة “الشرق”، أكد الناير أن معركة الفاشر أزالت واحدة من أبرز العقبات الميدانية التي كانت تعيق تحركات قوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن المدينة شكّلت تحديًا عسكريًا استنزف قدرات تلك القوات، وأجبرها على تعديل خططها خلال الأشهر الماضية. وأضاف أن السيطرة على الفاشر ستتيح للدعم السريع التفرغ لمدن محورية في إقليم كردفان، أبرزها بابنوسة والأبيض، ما يعكس تغيرًا في اتجاه العمليات نحو مناطق ذات أهمية استراتيجية في قلب البلاد. هذا التوجه، بحسب الناير، يعكس ديناميكية جديدة في الحرب، ويؤشر إلى انتقالها من مرحلة الدفاع إلى مرحلة التوسع الميداني.
توسع محتمل
أوضح الناير أن استمرار الدعم السريع في هذا النسق العملياتي قد يؤدي إلى عودة الحرب خلال العام الجاري إلى ولايات النيل الأبيض والخرطوم، وربما يمتد إلى نهر النيل والولاية الشمالية، في حال إحكام السيطرة على كردفان ودارفور. هذا السيناريو، وفقًا لتقديراته، لا يستبعد إعادة رسم خريطة السيطرة العسكرية في السودان، ويطرح تحديات أمنية وسياسية متزايدة أمام الحكومة المركزية. كما أشار إلى أن هذه التحولات قد تفتح الباب أمام تصعيد جديد في مناطق كانت حتى وقت قريب خارج نطاق المواجهات المباشرة، ما يعمّق الأزمة الوطنية ويزيد من تعقيد جهود التسوية السياسية.
موقف تأسيس
وفي ما يتعلق باحتمالات تقسيم السودان، قال الناير إنه لا يمتلك معلومات دقيقة حول نوايا حكومة تأسيس، لكنه يعتقد أن هذه الحكومة ستبقى في مدينة نيالا بجنوب دارفور، ولن تنتقل إلى الفاشر رغم السيطرة عليها. هذا التقدير يعكس تحفظًا سياسيًا تجاه مشروع حكومة تأسيس، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرتها على إدارة المناطق التي باتت تحت سيطرتها، خاصة في ظل التحديات الأمنية واللوجستية التي تواجهها. كما أشار إلى أن ما جرى في الفاشر ستكون له انعكاسات مباشرة على ملف التفاوض، وسيزيد من الضغط على جماعة بورتسودان التي تعاني من انقسامات داخلية وخلافات حادة بشأن مستقبل المحادثات السياسية، لا سيما في ظل هيمنة فلول النظام السابق على مفاصل القرار.
رمزية الفاشر
من جانبه، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في تصريح رسمي يوم الاثنين، إن قرار مغادرة الفاشر جاء نتيجة لما وصفه بـ”التدمير الممنهج” الذي تعرضت له المدينة. هذا التصريح يعكس حجم الخسائر التي تكبدتها القوات الحكومية، ويؤكد أن الفاشر لم تكن مجرد موقع عسكري، بل تمثل أهمية رمزية وتاريخية باعتبارها عاصمة سلطنة دارفور سابقًا، وعاصمة ولاية شمال دارفور، والمدينة الوحيدة التي بقيت خارج سيطرة الدعم السريع حتى وقت قريب. هذه الرمزية، بحسب الناير، جعلت من الفاشر هدفًا استراتيجيًا، وأدركت قوات الدعم السريع منذ وقت مبكر أن السيطرة عليها لن تكون سهلة، ما دفعها إلى اعتماد أسلوب الحصار المحكم وقطع طرق الإمداد العسكري كوسيلة لإنهاك الدفاعات قبل اقتحامها.
انتقادات داخلية
في سياق متصل، وجّه الناير انتقادات مباشرة لحاكم إقليم دارفور الحالي ووزير المالية جبريل إبراهيم، على خلفية انخراطهما في القتال بعد تسعة أشهر من الحياد، معتبرًا أن هذا القرار كان خطأً استراتيجيًا ساهم في تفاقم الأوضاع. وأكد أن الأمور ما كانت لتصل إلى هذا المستوى من التصعيد لولا هذا الانخراط المتأخر، متوقعًا أن يؤدي ذلك إلى فض الشراكة السياسية مع الرجلين في ظل التطورات الأخيرة. هذه التصريحات تعكس تصدعًا داخليًا في التحالفات السياسية والعسكرية، وتسلط الضوء على التحديات التي تواجه القوى المدنية والمسلحة في الحفاظ على وحدة الصف وسط تصاعد العمليات العسكرية وتغير موازين القوى على الأرض.
Source link



